معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَٱلَّيۡلِ وَمَا وَسَقَ} (17)

{ والليل وما وسق } أي جمع وضم ، يقال : وسقته أسقه وسقاً ، أي : جمعته ، واستوثقت الإبل : إذا اجتمعت وانضمت . والمعنى : والليل وما جمع وضم ما كان بالنهار منتشراً من الدواب ، وذلك أن الليل إذا أقبل أوى كل شيء إلى مأواه . روى منصور عن مجاهد قال : ما لف وأظلم عليه . وقال مقاتل بن حيان : ما أقبل من ظلمة أو كوكب . وقال سعيد بن جبير . وما عمل فيه

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَٱلَّيۡلِ وَمَا وَسَقَ} (17)

قوله تعالى : " والليل وما وسق " أي جمع وضم ولف ، وأصله من سورة السلطان وغضبه فلولا أنه خرج إلى العباد من باب الرحمة ما تمالك العباد لمجيئه ولكن خرج من باب الرحمة فمزح بها ، فسكن الخلق إليه ثم انذعروا والتفوا وانقبضوا ، ورجع كل إلى مأواه فسكن فيه من هوله وحشا ، وهو قوله تعالى : " ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه " [ القصص : 73 ] أي بالليل " ولتبتغوا من فضله " [ القصص : 73 ] أي بالنهار على ما تقدم . فالليل يجمع ويضم ما كان منتشرا بالنهار في تصرفه . هذا معنى قول ابن عباس ومجاهد ومقاتل وغيرهم . قال ضابئ بن الحارث البرجمي :

فإني وإياكُمْ وشَوْقًا إليكُمُ *** كقابِضِ مَاءٍ لم تَسْقِهِ أناملُهْ

يقول : ليس في يده من ذلك شيء كما أنه ليس في يد القابض على الماء شيء ، فإذا جلل الليل الجبال والأشجار والبحار والأرض فاجتمعت له ، فقد وسقها . والوسق : ضمك الشيء بعضه إلى بعض ، تقول : وسقته أسقه وسقا . ومنه قيل للطعام الكثير المجتمع : وسق ، وهو ستون صاعا . وطعام موسق : أي مجموع ، وإبل مستوسقة أي مجتمعة . قال الراجز{[15875]} :

إن لنا قَلاَئِصًا حَقَائِقَا *** مُسْتَوْسِقَاتٍ لو يَجِدْنَ سَائِقَا

وقال عكرمة : " وما وسق " أي وما ساق من شيء إلى حيث يأوي ، فالوسق بمعنى الطرد ، ومنه قيل للطريدة من الإبل والغنم والحمر : وسيقة ، قال الشاعر{[15876]} :

كما قافَ آثارَ الوسيقَةِ قائِفُ

وعن ابن عباس : " وما وسق " أي وما جن وستر . وعنه أيضا : وما حمل ، وكل شيء حملته فقد وسقته ، والعرب تقول : لا أفعله ما وسقت عيني الماء ، أي حملته . ووسقت الناقة تسق وسقا : أي حملت وأغلقت رحمها على الماء ، فهي ناقة واسق ، ونوق وساق مثل نائم ونيام ، وصاحب وصحاب ، قال بشر بن أبي خازم :

أَلَظَّ بهنَّ يحدُوهُنَّ حتى *** تبينتِ الحِيَالُ من الوِسَاقِ

ومواسيق أيضا . وأوسقت البعير : حملته حمله ، وأوسقت النخلة : كثر حملها . وقال يمان والضحاك ومقاتل بن سليمان : حمل من الظلمة . قال مقاتل : أو حمل من الكواكب . القشيري : ومعنى حمل : ضم وجمع ، والليل يجلل بظلمته كل شيء فإذا جللها فقد وسقها . ويكون هذا القسم قسما بجميع المخلوقات ، لاشتمال الليل عليها ، كقوله تعالى : " فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون " [ الحاقة :38 - 39 ] . وقال ابن جبير : " وما وسق " أي وما عمل فيه ، يعني التهجد والاستغفار بالأسحار ، قال الشاعر :

ويومًا ترانا صالحين وتارةً *** تقوم بنا كالواسِقِ المُتَلَبِّبِ

أي كالعامل .


[15875]:هو العجاج كما في اللسان مادة "وسق".
[15876]:قائله الأسود بن يعفر، وصدره: * كذبت عليك لا تزال تقوفنى *
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَٱلَّيۡلِ وَمَا وَسَقَ} (17)

قوله : { والليل وما وسق } يعني وما جمع وضم . ومصدره الوسق ، بسكون السين . وسق الشيء أي جمعه وحمله فإذا جلّل الليل الجبال والأشجار والبحار والأرض فاجتمعت له فقد وسقها{[4790]} .

والمعنى : والليل وما جمعه وستره وأوى إليه من الدواب وغيرها . وعن ابن عباس { وما وسق } أي وما جنّ وستر . وكل شيء حملته فقد وسقته .


[4790]:مختار الصحاحا ص 720، 721.