معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{لِّلۡكَٰفِرِينَ لَيۡسَ لَهُۥ دَافِعٞ} (2)

فقال الله مبينا مجيبا لذلك السائل :{ للكافرين } وذلك أن أهل مكة لما خوفهم النبي صلى الله عليه وسلم بالعذاب قال بعضهم لبعض : من أهل هذا العذاب ؟ ولمن هو ؟ سلوا عنه محمداً فسألوه فأنزل الله : { سأل سائل بعذاب واقع * للكافرين } أي : هو للكافرين ، هذا قول الحسن وقتادة . وقيل : " الباء " صلة ومعنى الآية : دعا داع وسأل سائل عذاباً واقعاً للكافرين ، أي : على الكافرين ، " اللام " بمعنى " على " وهو النضر بن الحارث حيث دعا على نفسه وسأل العذاب ، فقال : { اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك } الآية ( الفرقان-59 ) ، فنزل به ما سأل يوم بدر ، فقتل صبراً ، وهذا قول ابن عباس ومجاهد : { ليس له دافع من الله } أي : بعذاب من الله .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{لِّلۡكَٰفِرِينَ لَيۡسَ لَهُۥ دَافِعٞ} (2)

قوله تعالى : " سأل سائل بعذاب واقع " قرأ نافع وابن عامر " سال سايل " بغير همزة . الباقون بالهمز . فمن همز فهو من السؤال . والباء يجوز أن تكون زائدة ، ويجوز أن تكون بمعنى عن . والسؤال بمعنى الدعاء ، أي دعا داع بعذاب ، عن ابن عباس وغيره . يقال : دعا على فلان بالويل ، ودعا عليه بالعذاب . ويقال : دعوت زيدا ، أي التمست إحضاره . أي التمس ملتمس عذابا للكافرين ، وهو واقع بهم لا محالة يوم القيامة . وعلى هذا فالباء زائدة ، كقوله تعالى : " تنبت بالدهن{[15328]} " [ المؤمنون : 20 ] ، وقوله . " وهزي إليك بجذع النخلة{[15329]} " [ مريم : 25 ] فهي تأكيد . أي سأل سائل عذابا واقعا . " للكافرين " أي على الكافرين . وهو النضر بن الحارث حيث قال : " اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم{[15330]} " [ الأنفال : 32 ] فنزل سؤاله ، وقتل يوم بدر صبرا{[15331]} هو وعقبة بن أبي معيط ، لم يقتل صبرا غيرهما ، قاله ابن عباس ومجاهد . وقيل : إن السائل هنا هو الحارث بن النعمان الفهري . وذلك أنه لما بلغه قول النبي صلى الله عليه وسلم في علي رضي الله عنه : ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) ركب ناقته فجاء حتى أناخ راحلته بالأبطح ثم قال : يا محمد ، أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقبلناه منك ، وأن نصلي خمسا فقبلناه منك ، ونزكي أموالنا فقبلناه منك ، وأن نصوم شهر رمضان في كل عام فقبلناه منك ، وأن نحج فقبلناه منك ، ثم لم ترض بهذا حتى فضلت ابن عمك علينا ! أفهذا شيء منك أم من الله ؟ ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( والله الذي لا إله إلا هو ما هو إلا من الله ) فولّى الحارث وهو يقول : اللهم إن كان ما يقول محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم . فوالله ما وصل إلى ناقته حتى رماه الله بحجر فوقع على دماغه فخرج من دبره فقتله ؛ فنزلت : " سأل سائل بعذاب واقع " الآية . وقيل : إن السائل هنا أبو جهل وهو القائل لذلك ، قاله الربيع . وقيل : إنه قول جماعة من كفار قريش . وقيل : هو نوح عليه السلام سأل العذاب على الكافرين . وقيل : هو رسول الله صلى الله عليه وسلم أي دعا عليه السلام بالعقاب وطلب أن يوقعه الله بالكفار ، وهو واقع بهم لا محالة . وامتد الكلام إلى قوله تعالى : " فاصبر صبرا جميلا " [ المعارج : 5 ] أي لا تستعجل فإنه قريب . وإذا كانت الباء بمعنى عن - وهو قول قتادة - فكأن سائلا سأل عن العذاب بمن يقع أو متى يقع . قال الله تعالى : " فاسأل به خبيرا{[15332]} " [ الفرقان : 59 ] أي سل عنه . وقال علقمة :

فإن تسألوني بالنِّسَاء فإنني *** بصيرٌ بأدواءِ النساءِ طبيبُ

أي عن النساء . ويقال : خرجنا نسأل عن فلان وبفلان . فالمعنى سألوا بمن يقع العذاب ولمن يكون .

فقال الله : " للكافرين " . قال أبو علي وغيره : وإذا كان من السؤال فأصله أن يتعدى إلى مفعولين ويجوز الاقتصار على أحدهما . وإذا اقتصر على أحدهما جاز أن يتعدى إليه بحرف جر ، فيكون التقدير سأل سائل النبي صلى الله عليه وسلم أو المسلمين بعذاب أو عن عذاب . ومن قرأ بغير همز فله وجهان : أحدهما : أنه لغة في السؤال وهي لغة قريش ، تقول العرب : سال يسال ، مثل نال ينال وخاف يخاف . والثاني : أن يكون من السيلان ، ويؤيده قراءة ابن عباس " سال سيل " . قال عبدالرحمن بن زيد : سال واد من أودية جهنم ، يقال له : سائل ؛ وقول زيد بن ثابت . قال الثعلبي : والأول أحسن ، كقول الأعشى{[15333]} في تخفيف الهمزة :

سالتاني الطلاق إذ رأتاني *** قلّ مالي قد جئتماني بنكر

وفي الصحاح : قال الأخفش : يقال خرجنا نسأل عن فلان وبفلان . وقد تخفف همزته فيقال : سال يسال . وقال :

ومُرْهِقٍ سال إمتاعا بِأُصْدَته *** لم يستَعِن وحَوَامِي الموتِ تَغْشَاهُ{[15334]}

المرهق : الذي أدرك ليقتل . والأُصدة بالضم : قميص صغير يلبس تحت الثوب . المهدوي : من قرأ " سال " جاز أن يكون خفف الهمزة بإبدالها ألفا ، وهو البدل على غير قياس . وجاز أن تكون الألف منقلبة عن واو على لغة من قال : سلت أسال ، كخفت أخاف . النحاس : حكى سيبويه سلت أسال ، مثل خفت أخاف ، بمعنى سألت . وأنشد :

سالت هذيلٌ رسول الله فاحشة *** ضلت هذيل بما سالت ولم تُصِبِ{[15335]}

ويقال : هما يتساولان . المهدوي : وجاز أن تكون مبدلة من ياء ، من سال يسيل . ويكون سايل واديا في جهنم ، فهمزة سايل على القول الأول أصلية ، وعلى الثاني بدل من واو ، وعلى الثالث بدل من ياء . القشيري : وسائل مهموز ؛ لأنه إن كان من سأل بالهمز فهو مهموز ، وإن كان من غير الهمز كان مهموزا أيضا ؛ نحو قائل وخائف ؛ لأن العين اعتل في الفعل واعتل في اسم الفاعل أيضا . ولم يكن الاعتلال بالحذف لخوف الالتباس ، فكان بالقلب إلى الهمزة ، ولك تخفيف الهمزة حتى تكون بين بين . " واقع " أي يقع بالكفار بين أنه من الله ذي المعارج . وقال الحسن : أنزل الله تعالى : " سأل سائل بعذاب واقع " فقال لمن هو ؟ فقال للكافرين ، فاللام في الكافرين متعلقة " بواقع " . وقال الفراء : التقدير بعذاب للكافرين واقع ، فالواقع من نعت العذاب واللام دخلت للعذاب لا للواقع ، أي هذا العذاب للكافرين في الآخرة لا يدفعه عنهم أحد . وقيل إن اللام بمعنى على ، والمعنى : واقع على الكافرين . وروي أنها في قراءة أبي كذلك . وقيل : بمعنى عن ، أي ليس له دافع عن الكافرين من الله .


[15328]:راجع جـ 12 ص 114.
[15329]:راجع جـ 11 ص 94.
[15330]:راجع جـ 81 ص 398.
[15331]:الصبر: نصب الإنسان للقتل.
[15332]:راجع جـ 13 ص 63.

[15333]:لم نجد البيت في شعر الأعشين. وفي كتاب سيبويه (جـ 1 ص 291، جـ 2 ص 170) أنه لزيد بن عمرو ابن نفيل القرشي. وعلق عليه الأعلم الشنتمري أنه يروي لنبيه بن الحجاج.
[15334]:لم يستعن، أي لم يحلق عانته. وحوامي الموت وحوائمه: أسبابه. قال ابن بري: أنشده أبو علي الباهلي غيث بن عبد الكريم لبعض العرب يصف رجلا شريفا، ارْتُثَّ في بعض المعارك فسألهم أن يمنعوه بقميصه، أي لا يسلب.
[15335]:البيت لحسان بن ثابت.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{لِّلۡكَٰفِرِينَ لَيۡسَ لَهُۥ دَافِعٞ} (2)

وعبر باللام تهكماً منهم مثل { فبشرهم بعذاب } فقال : { للكافرين } أي الراسخين في هذا الوصف بمعنى : إن كان لهم{[68265]} في الآخرة شيء فهو العذاب ، وقراءة نافع وابن عامر بتخفيف الهمزة أكثر{[68266]} تعجيباً أي اندفع فمه بالكلام{[68267]} وتحركت به شفتاه لأنه مع كونه يقال : سال يسأل مثل خاف يخاف لغة في المهموز يحتمل أن يكون من سأل يسأل ، قال البغوي{[68268]} : وذلك أن أهل مكة لما خوفهم النبي صلى الله عليه وسلم بالعذاب قالوا : من أهل هذا العذاب ولمن هو{[68269]} ؟ سلوا عنه ، فأنزلت .

ولما أخبر بتحتم وقوعه علله بقوله : { ليس له } أي بوجه من الوجوه ولا حيلة من الحيل { دافع * } مبتدىء { من الله }


[68265]:- زيد من ظ وم.
[68266]:- زيد من م.
[68267]:- زيد من ظ وم.
[68268]:- في معالم التنزيل بهامش لباب التأويل 7/ 123.
[68269]:- زيد من ظ وم.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{لِّلۡكَٰفِرِينَ لَيۡسَ لَهُۥ دَافِعٞ} (2)

قوله : { للكافرين ليس له دافع } لا يقدر أحد أن يدفع هذا العذاب الواقع .