{ سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ } قرأ أهل المدينة والشام سأل بغير همز ، وقرأ الباقون بالهمز واختاره أبو عبيد وأبو حاتم ، فمن قرأه بالهمز فهو من السؤال لا غير وله وجهان : أحدهما أن تكون الباء في قوله { بِعَذَابٍ } بمعنى عن كقوله سبحانه :
{ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً } [ الفرقان : 59 ] أي عنه ، وقال علقمة بن عبدة :
فإن تسألوني بالنساء فانّي *** بصير بأدواء النساء طبيب
ومعنى الآية : سأل سائل عن عذاب واقع نازل : على من ينزل ؟ ولمن هو ؟
فقال الله سبحانه مجيباً له : { لِّلْكَافِرِينَ } وهذا قول الحسن وقتادة قالا : كان هذا بمكّة ، لما بعث الله تعالى محمداً صلى الله عليه وسلم إليهم وخوّفهم بالعذاب والنكال ، قال المشركون بعضهم لبعض : من أهل هذا العذاب اسألوا محمداً لمن هو وعلى مَنْ ينزل وبمَنْ يقع ، فبيّن الله سبحانه وأنزل سأل سائل عذاباً واقعاً للكافرين أي على الكافرين ، اللام بمعنى على ، وهو النضر بن الحرث حيث دعا على نفسه وسأل العذاب فقال : اللّهمّ إن كان هذا هو الحقّ لأنّه نزل به ما سأل يوم بدر ، فقتل صبراً ولم يقتل من الأسرى يومئذ غيره وغير عقبه بن أبي معيط ، وهذا قول ابن عباس ومجاهد ، وسئل سفيان بن عيينة عن قول الله سبحانه : { سَأَلَ سَآئِلٌ } فيمن نزلت ، فقال : لقد سألتني عن مسألة ما سألني أحد قبلك .
حدّثني أبي عن جعفر بن محمد عن آبائه ، فقال : " لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بغدير خم ، نادى بالناس فاجتمعوا ، فأخذ بيد عليّ رضي الله عنه فقال : " مَنْ كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه " .
فشاع ذلك وطار في البلاد ، فبلغ ذلك الحرث بن النعمان القهري فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقة له حتّى أتى الأبطح ، فنزل عن ناقته وأناخها وعقلها ، ثمّ أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو في ملأ من أصحابه فقال : يا محمد أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّك رسول الله فقبلناه منك ، وأمرتنا أن نصلّي خمساً فقبلناه منك ، وأمرتنا بالزكاة فقبلنا ، وأمرتنا بالحجّ فقبلنا ، وأمرتنا أن نصوم شهراً فقبلنا ، ثمّ لم ترض بهذا حتّى رفعت بضبعي ابن عمّك ففضلته علينا وقلت : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فهذا شيء منك أم من الله تعالى ؟
فقال : " والّذي لا إله إلاّ هو هذا من الله " فولّى الحرث بن النعمان يريد راحلته وهو يقول : اللهمّ إن كان ما يقوله حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء ، أو ائتنا بعذاب أليم ، فما وصل إليها حتّى رماه الله بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره فقتله ، وأنزل الله سبحانه : { سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ } " .
ومَنْ قرأ بغير همز فله وجهان : أحدهما أنّه لغة في السؤال ، تقول العرب : سأل سائل وسأل سال مثل نال ينال ، وخاف يخاف ، والثاني : أن يكون من السيل ، قال زيد بن ثابت وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، سال واد من أودية جهنم يقال له سائل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.