مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{لِّلۡكَٰفِرِينَ لَيۡسَ لَهُۥ دَافِعٞ} (2)

{ سأل سائل بعذاب واقع ، للكافرين ليس له دافع ، من الله ذي المعارج } .

اعلم أن قوله تعالى : { سأل } فيه قراءتان منهم من قرأه بالهمزة ، ومنهم من قرأه بغير همزة ، أما الأولون وهم الجمهور فهذه القراءة تحتمل وجوها من التفسير : ( الأول ) أن النضر بن الحرث لما قال : { اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم } فأنزل الله تعالى هذه الآية ومعنى قوله : { سأل سائل } أي دعا داع بعذاب واقع من قولك دعا بكذا إذا استدعاه وطلبه ، ومنه قوله تعالى : { يدعون فيها بكل فاكهة آمنين } قال ابن الأنباري : وعلى هذا القول تقدير الباء الإسقاط ، وتأويل الآية : سأل سائل عذابا واقعا ، فأكد بالباء كقوله تعالى : { وهزي إليك بجذع النخلة } وقال صاحب الكشاف لما كان { سأل } معناه هاهنا دعا لا جرم عدى تعديته كأنه قال دعا داع بعذاب من الله ( الثاني ) قال الحسن وقتادة لما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم وخوف المشركين بالعذاب قال المشركون : بعضهم لبعض سلوا محمدا لمن هذا العذاب وبمن يقع فأخبره الله عنه بقوله : { سأل سائل بعذاب واقع } قال ابن الأنباري : والتأويل على هذا القول : سأل سائل عن عذاب والباء بمعنى عن ، كقوله :

فإن تسألوني بالنساء فإنني *** بصير بأدواء النساء طبيب

وقال تعالى : { فاسأل به خبيرا } وقال صاحب الكشاف : { سأل } على هذا الوجه في تقدير عنى واهتم كأنه قيل : اهتم مهتم بعذاب واقع ( الثالث ) قال بعضهم : هذا السائل هو رسول الله استعجل بعذاب الكافرين ، فبين الله أن هذا العذاب واقع بهم ، فلا دافع له قالوا : والذي يدل على صحة هذا التأويل قوله تعالى في آخر الآية : { فاصبر صبرا جميلا } وهذا يدل على أن ذلك السائل هو الذي أمره بالصبر الجميل ، أما القراءة الثانية وهي ( سال ) بغير همز فلها وجهان : ( أحدهما ) أنه أراد { سأل } بالهمزة فخفف وقلب قال :

سألت قريش رسول الله فاحشة *** ضلت هذيل بما سالت ولم تصب

( والوجه الثاني ) أن يكون ذلك من السيلان ويؤيده قراءة ابن عباس سال سيل والسيل مصدر في معنى السائل ، كالغور بمعنى الغائر ، والمعنى اندفع عليهم واد بعذاب ، وهذا قول زيد بن ثابت وعبد الرحمن بن زيد قالا : سال واد من أودية جهنم ( بعذاب واقع ) أما سائل ، فقد اتفقوا على أنه لا يجوز فيه غير الهمز لأنه إن كان من سأل المهموز فهو بالهمز ، وإن لم يكن من المهموز كان بالهمز أيضا نحو قائل وخائف إلا أنك إن شئت خففت الهمزة فجعلتها بين بين ، وقوله تعالى : { بعذاب واقع للكافرين } فيه وجهان ، وذلك لأنا إن فسرنا قوله : { سأل } بما ذكرنا من أن النضر طلب العذاب ، كان المعنى أنه طلب طالب عذابا هو واقع لا محالة سواء طلب أو لم يطلب ، وذلك لأن ذلك العذاب نازل للكافرين في الآخرة واقع بهم لا يدفعه عنهم أحد ، وقد وقع بالنضر في الدنيا لأنه قتل يوم بدر ، وهو المراد من قوله : { ليس له دافع } وأما إذا فسرناه بالوجه الثاني وهو أنهم سألوا الرسول عليه السلام ، أن هذا العذاب بمن ينزل فأجاب الله تعالى عنه بأنه واقع للكافرين ، والقول الأول وهو السديد .