معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَالَ فَإِنَّا قَدۡ فَتَنَّا قَوۡمَكَ مِنۢ بَعۡدِكَ وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِيُّ} (85)

قوله تعالى : { قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك } أي : ابتلينا الذين خلفتهم مع هارون ، وكانوا ستمائة ألف ، فافتتنوا بالعجل غير اثني عشر ألفاً من بعدك ، أي : من بعد انطلاقك إلى الجبل ، { وأضلهم السامري } أي : دعاهم وصرفهم إلى عبادة العجل وأضافه إلى السامري لأنهم ضلوا بسببه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَ فَإِنَّا قَدۡ فَتَنَّا قَوۡمَكَ مِنۢ بَعۡدِكَ وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِيُّ} (85)

وكان أول ابتلاء هو ابتلاؤهم بالعجل الذي صنعه لهم السامري : ( قال : فإنا قد فتنا قومك من بعدك ، وأضلهم السامري )ولم يكن لدى موسى علم بهذا الابتلاء ، حتى لقى ربه ، وتلقى الألواح وفي نسختها هدى ، وبها الدستور التشريعي لبناء بني إسرائيل بناء يصلح للمهمة التي هم منتدبون لها .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ فَإِنَّا قَدۡ فَتَنَّا قَوۡمَكَ مِنۢ بَعۡدِكَ وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِيُّ} (85)

إسناد الفتن إلى الله باعتبار أنه مُقدّره وخالقُ أسبابه البعيدة . وأمّا إسناده الحقيقي فهو الذي في قوله { وأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ } لأنه السبب المباشر لضلالهم المسبب لفتنتهم .

و { السَّامِرِيُّ } يظهر أن ياءه ياء نسبة ، وأن تعريفه باللاّم للعهد . فأما النسبة فأصلها في الكلام العربي أن تكون إلى القبائل والعشائر ؛ فالسامريّ نسب إلى اسم أبي قبيلة من بني إسرائيل أو غيرهم يقارب اسمه لفظ سَامِر ، وقد كان من الأسماء القديمة ( شُومر ) و ( شامر ) وهما يقاربان اسم سامر لا سيما مع التعريب . وفي « أنوار التنزيل » : « السامريّ نسبة إلى قبيلة من بني إسرائيل يقال لها : السامرة » اهـ . أخذنا من كلام البيضاوي أن السامريّ منسوب إلى قبيلة وأما قوله « من بني إسرائيل » فليس بصحيح . لأنّ السامرة أمّة من سكان فلسطين في جهة نَابلس في عهد الدولة الروميّة ( البيزنطية ) وكانوا في فلسطين قبل مصير فلسطين بيد بني إسرائيل ثمّ امتزجوا بالإسرائيليين واتبعوا شريعة موسى عليه السلام مع تخالف في طريقتهم عن طريقة اليهود . فليس هو منسوباً إلى مدينة السامرة القريبة من نابلس لأنّ مدينة السامرة بناها الملك ( عَمْري ) ملك مملكة إسرائيل سنة 925 قبل المسيح . وجعلها قصبة مملكته ، وسماها ( شوميرون ) لأنّه بناها على جبل اشتراه من رجل اسمه ( شَامر ) بوَزْنتَين من الفضة ، فعُرّبت في العربية إلى سامرة ، وكان اليهود يَعُدونها مدينة كفر وجور ، لأنّ ( عمري ) بانيها وابنه ( آخاب ) قد أفسدا ديانة التّوراة وعبدا الأصنام الكنعانية . وأمر الله النبي إلياس بتوبيخهما والتثوير عليهما ، فلا جرم لم تكن موجودة زمن موسى ولا كانت ناحيتها من أرض بني إسرائيل زمن موسى عليه السلام .

ويحتمل أن يكون السامريّ نسباً إلى قرية اسمها السامرة من قرى مصر ، كما قال بعض أهل التفسير ، فيكون فتى قبطياً اندس في بني إسرائيل لتعلّقه بهم في مصر أو لصناعة يصنعها لهم . وعن سعيد بن جبير : كان السامريّ من أهل ( كرمان ) ، وهذا يقرّب أن يكون السامريّ تعريبَ كرماني بتبديل بعض الحروف وذلك كثير في التعريب .

ويجوز أن تكون الياء من السامريّ غير ياء نسب بل حرفاً من اسم مثل : ياء عليّ وكرسيّ ، فيكون اسماً أصلياً أو منقولاً في العبرانية ، وتكون اللاّم في أوّله زائدة .

وذكر الزمخشري والقرطبي خليطاً من القصة : أن السامريّ اسمه موسى بن ظَفَر بفتح الظاء المعجمة وفتح الفاء وأنه ابن خالة موسى عليه السلام أو ابن خَاله ، وأنه كفَر بدين موسى بعد أن كان مؤمناً به ، وزاد بعضهم على بعض تفاصيل تشمئزّ النفس منها .

واعلم أن السامريين لقب لطائفة من اليهود يقال لهم أيضاً السامرة ، لهم مذهب خاص مخالف لمذهب جماعة اليهوديّة في أصول الدّين ، فهم لا يعظمون بيت المقدس وينكرون نبوءة أنبياء بني إسرائيل عدا موسى وهارون ويوشع ، وما كانت هذه الشذوذات فيهم إلاّ من بقايا تعاليم الإلحاد التي كانوا يتلقونها في مدينة السامرة المبنيّة على التساهل والاستخفاف بأصول الدين والترخّص في تعظيم آلهة جيرتهم الكنعانيين أصْهار ملوكهم ، ودام ذلك الشذوذ فيهم إلى زمن عيسى عليه السلام ففي إنجيل متى إصحاح 10 وفي إنجيل لوقا إصحاح 9 ما يقتضي أن بلدة السامريين كانت منحرفة على اتباع المسيح ، وأنه نهى الحواريين عن الدخول إلى مدينتهم .

ووقعت في كتاب الخروج من التوراة في الإصحاح الثاني والثلاثين زلّة كبرى ، إذ زعموا أنّ هارون صنع العجل لهم لمّا قالوا له : « اصنع لنا آلهة تسير أمامنا لأنا لا نعلم ماذا أصاب موسى في الجبل فصنَع لهم عجلاً من ذهب » . وأحسب أنّ هذا من آثار تلاشي التّوراة الأصلية بعد الأسر البابلي ، وأن الذي أعاد كتبها لم يحسن تحرير هذه القصة . ومما نقطع به أنّ هارون معصوم من ذلك لأنه رسول .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{قَالَ فَإِنَّا قَدۡ فَتَنَّا قَوۡمَكَ مِنۢ بَعۡدِكَ وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِيُّ} (85)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول الله تعالى ذكره: قال الله لموسى: فإنا يا موسى قد ابتلينا قومك من بعدك بعبادة العجل، وذلك كان فتنتهم من بعد موسى.

ويعني بقوله:"مِنْ بَعْدِكَ": من بعد فراقك إياهم. يقول الله تبارك وتعالى: "وأضَلّهُمُ السّامِرِيّ "وكان إضلال السامريّ إياهم دعاءه إياهم إلى عبادة العجل.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك} الفتنة هي المحنة التي فيها شدائد وبلايا. ومعنى الافتتان هاهنا هو ما افتتنوا بالعجل الذي اتخذه السامري... {وأضلهم السامري} أضاف الإضلال إلى السامري لأنه كان سبب إضلالهم حين اتخذ لهم العجل، ودعاهم إلى عبادته...

الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :

{قَالَ} الله سبحانه {فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا} ابتلينا {قَوْمَكَ} الذين خلفتهم مع هارون...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

... فأعمله الله تعالى أنه قد فتن بني إسرائيل، أي اختبرهم بما صنعه السامري. ويحتمل أن يريد ألقيناهم في فتنة، أي في ميل مع الشهوات ووقوع في اختلاف كلمة، و {من بعدك} أي من بعد فراقك لهم...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{قال} الرب سبحانه: {فإنا} أي قد تسبب عن عجلتك عنهم أنا {قد فتنا} أي خالطنا بعظمتنا مخالطة مميلة محيلة {قومك} بتعجلك.

ولما كانت الفتنة لم تستغرق جميع الزمن الذي كان بعده، وإنما كانت في بعضه، أدخل الجارّ فقال: {من بعدك} أي خالطناهم بأمر من أمرنا مخالطة أحالتهم عما عهدتهم عليه، وكان ذلك بعد تمام المدة التي ضربتها لهم، وهي الثلاثون بالفعل وبالقوة فقط، من أول ما فارقتهم بضربك لتلك المدة باعتبار أن أول إتيانك هو الذي كان سبب الفتنة لزيادة أيام الغيبة بسببه لأنا زدنا في آخر المدة بمقدار ما عجلت به في أولها، فلما تأخر رجوعك إليهم حصل لهم الفتون بالفعل، فظنوا مرجمات الظنون ولما عمتهم الفتنة إلا [قليلا]... أطلق الضلال على الكل فقال: {وأضلهم السامري} أي عن طريق الرشد بما سبب لهم...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وكان أول ابتلاء هو ابتلاؤهم بالعجل الذي صنعه لهم السامري: (قال: فإنا قد فتنا قومك من بعدك، وأضلهم السامري)، ولم يكن لدى موسى علم بهذا الابتلاء حتى لقى ربه، وتلقى الألواح وفي نسختها هدى، وبها الدستور التشريعي لبناء بني إسرائيل بناء يصلح للمهمة التي هم منتدبون لها.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

إسناد الفتن إلى الله باعتبار أنه مُقدّره وخالقُ أسبابه البعيدة. وأمّا إسناده الحقيقي فهو الذي في قوله {وأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ} لأنه السبب المباشر لضلالهم المسبب لفتنتهم.

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

فاعل "قال "هو الضمير العائد على الله جلت قدرته، والفاء للسببية، أي بسبب غيبتك وعدم قيامك بحق الرقابة النفسية عليهم التي مكناك منها، {قد فتنا قومك من بعدك} أي اختبرناهم لتتبين مقدار إرادتهم وعقولهم ومداركهم وأضاف الاختبار الذي سماه "فتنة" إلى نفسه، وهو العليم بكل شيء قبل وقوعه، وبعد وقوعه، فالأزمان تكون بالنسبة للناس لا بالنسبة للذات العلية. وعبر سبحانه فقال: {قومك من بعدك} أضاف القوم إليه استحثاثا لهمته، وقوة في عتابه، أي أنهم قومه الذي جاء لإخراجهم من طغواء فرعون، ولكن لم يزل الأثر السيئ في عقولهم فطغى بتعاليمه عليهم نفسيا، وإن خلعوا الربقة، وأزالوا رق الأجساد، فلم يزيلوا رق النفوس، ولقد قال تعالى: {وأضلهم السامرين}، أي أوقعهم في الضلال.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

ثم يخبر الحق – تبارك وتعالى – نبيه موسى – عليه السلام – بما كان من قومه بعد مفارقته لهم من مسألة عبادة العجل. {قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ}. الفتنة: ليست مذمومة في ذاتها؛ لأن الفتنة تعني الاختبار، ونتيجته هي التي تحمد أو تذم.إذن: لا بد من الاختبار لكي يعطى كل إنسان حسب نتيجته، فإن سأل سائل: وهل يختبر الله عباده ليعلم حالهم؟ نقول: بل ليعلم الناس حالهم، وتتكشف حقائقهم فيعاملونهم على أساسها: هذا منافق، وهذا مخلص، وهذا كذاب، فيمكنك أن تحتاط في معاملتهم. إذن: الاختبار لا ليعلم الله، ولكن ليعلم خلق الله. أو: لأن الاختبار من الله لقطع الحجة على المختبر، كأن يقول: لو أعطاني الله مالا فسأفعل به كذا وكذا من وجوه الخير، فإذا ما وضع في الاختبار الحقيقي وأعطي المال أمسك وبخل، ولو تركه الله دون مال لقال: لو عندي كنت فعلت كذا وكذا. فهناك علم واقع من الله، أو علم من خلق الله لكل من يفتن، فإن كان محسنا يقتدون به، ويقبلون عليه، ويحبونه ويستمعون إليه، وإلا انصرفوا عنه. فالاختبار -إذن- قصده المجتمع وسلامته... وقد سمى الحق سبحانه ما حدث من بني إسرائيل في غياب موسى من عبادة العجل سماه فتنة، ثم نسبها إلى نفسه {فتنا} أي: اختبرنا. ثم يقول تعالى: {وأظلهم السامري} أضلهم: سلك بهم غير طريق الحق، وسلوك غير طريق الحق قد يكون للذاتية المحضة، فيحمل الإنسان فيها وزر نفسه فقط، وقد تتعدى إلى الآخرين فيسلك بهم طريق الضلال، فيحمل وزره ووزر غيره ممن أضلهم...