تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قَالَ فَإِنَّا قَدۡ فَتَنَّا قَوۡمَكَ مِنۢ بَعۡدِكَ وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِيُّ} (85)

الآية 85 : وقوله تعالى : { قال فإنما قد فتنا قومك من بعدك } الفتنة هي المحنة التي فيها شدائد وبلايا . ومعنى الافتتان هاهنا هو ما افتتنوا{[12375]} بالعجل الذي اتخذه السامري ؛ جعله جسدا بدم ولحم على ما ذكر ، ونفخ فيه الروح ، وجعل له خوارا . فذلك معنى الافتتان منه إياهم ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وأضلهم السامري } أضاف الإضلال إلى السامري لأنه كان سبب إضلالهم حين{[12376]} اتخذ لهم العجل ، ودعاهم إلى عبادته ، وقال : { هذا إلهكم وإله موسى } [ طه : 88 ] فأضاف الإضلال إليه لما ذكرنا من دعائه [ إياهم ] {[12377]} إليه والسبب الذي كان منه . وإلا لم يكن لأحد{[12378]} إضلال أحد . وأضاف الافتتان إلى نفسه لما ذكرنا من جعل العجل [ جسدانيا من لحم ودم وروحانيا ] {[12379]} فإن قيل : ما معنى إجراء ما أجرى على يدي السامري مع ضلاله من الآية ؟ قيل : هو ، والله أعلم ، أنه لو ادعى لنفسه الرسالة لكان لا يتهيأ له ذلك . لكنه إنما ادعى أنه إله ، وآثار العبودية فيه ظاهرة قائمة ، يعرفه كل أحد أنه ليس بإله .

وأما الرسالة فإنه يجوز أن تشتبه على الناس ، وتلتبس عليهم ، فيمنع الله عز وجل من ليس برسول إذا ادعى الرسالة إقامة دلالة الرسالة لاشتباهها على الناس .

وأما الألوهية فلا [ يمنعه الله عن إجراء ] {[12380]} ذلك لأن آثار العبودة وأعلام العجز فيها ظاهرة يعرفها{[12381]} كل أحد . وهكذا من أتى قرية ، لم يبلغهم هذا القرآن ، فقرأ هذا القرآن ، وقال : إني رسول الله إليكم ، يقدره الله على قراءته . فلو ادعى الربوبية لم [ يمنعه الله ] {[12382]} . لأن آثار العجز عن إتيان مثله ظاهرة ، وفي الرسالة لا ، لذلك افترقا ، والله أعلم .


[12375]:من م، في الأصل: فتنتم.
[12376]:في الأصل وم: حيث.
[12377]:ساقطة من الأصل وم.
[12378]:في الأصل وم: أحد.
[12379]:في الأصل وم: جسداني من لحم ودم وروحاني.
[12380]:من الأصل يمنع عن جزاء في.
[12381]:في الأصل وم: يعرفه.
[12382]:في الأصل وم: يمنع.