قوله : { فَإِنَّا{[26077]} قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ } أي : ابتلينا الذين خَلَّفَتَهُم{[26078]} مع هارون ، وكانوا ستمائة ألف ، فَأُفْتِنُوا بالعجل غير اثني عشر ألفاً من بعدك انطلاقك إلى الجبل{[26079]} .
فصل{[26080]}
قالت المعتزلة : لا يجوز أن يكون المرادُ أنَّ الله -تعالى- خلقَ فيهم الكفر لوجهين :
الأول : الدلائل العقلية ( الدالة على ){[26081]} أنه لا يجوز من الله -تعالى- أن يفعل ذلك .
والثاني{[26082]} : أنَّه قال : " وَأَضَلَّهُمُ السَّامِريّ " .
وأيضاً : فلأن موسى لمَّا طالبَهُم بذكر{[26083]} سبب الفتنة ، فقال : { أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ العهد أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ }{[26084]} فلو{[26085]} حصل ذلك بخلق الله لكان لهم أن يقولوا السبب فيه أن الله خلقه فِينَا لا ما ذكرت ، فكان يبطل كلام موسى -عليه السلام{[26086]}- . وأيضاً{[26087]} فقوله : { أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ } ولو كان{[26088]} ذلك بخلقه لاستحال أن يغضبَ عليهم فيما هو الخالق له{[26089]} ، ولما بطل ذلك وجب أن يكون لقوله : " فَتَنَّا " معنًى{[26090]} آخر ، وذلك لأن الفتنة قد تكون بمعنى الامتحان ، يقال : فَتَنْتُ الذَّهَبَ بالنار إذا امتحنته بالنار فتميز الجيد من الرديء{[26091]} ، فهاهنا{[26092]} شدَّد الله التكليف عليهم ، لأن السَّامِرِيَّ ، لما أخرج لهم العجل صاروا مكلفين بأن يستدلوا بحدوث جملة العالم والأجسام على أنَّ له إلهاً بجسم وحينئذ يعرفون{[26093]} أن العجل لا يصلح للإلهية فكان هذا التعبد تشديداً في التكليف ، ( والتشديد في التكليف ){[26094]} موجود .
قال تعالى : { أَحَسِبَ الناس أَن يتركوا أَن يقولوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ }{[26095]}
والجواب : ليس في ظهور صوت من عجلٍ{[26096]} متخذٍ{[26097]} من الذهب شبهة أعظم مما{[26098]} في الشمس والقمر ، والدليل{[26099]} الذي ينفي كون الشمس والقمر إلهاً أولى بأن ينفي كون العجل إلهاً ، فحينئذ لا يكون حدوث العجل تشديداً في التكليف{[26100]} ولا يصح حمل الآية عليه ، فوجب حمله على خلق الضلال فيهم .
وقوله{[26101]} : أضاف الإضلال إلى السَّامري . قلنا : أليس أن جميع المسببات العادية تضاف إلى أسباب من الظاهر وإن كان الموجد هو الله -تعالى{[26102]}- فكذا هاهنا . وأيضاً قرئ " وَأَضَلَّهُم{[26103]} السَّامِرِيّ " أي{[26104]} : وأشد ضلالهم السامري ، وعلى هذا{[26105]} لا يبقى للمعتزلة استدلال ، ثم الذي يحسم مادة الشغب مسألة الداعي . قوله : { وَأَضَلَّهُم السَّامِرِي } العامة على أنه فعلٌ ماض مسند إلى السامري{[26106]} .
وقرأ أبو معاذ " وَأَضَلُّهُم " مرفوعاً بالابتداء ، وهو أفعل تفضيل ، و " السَّامِرِيُّ " خبره{[26107]} .
ومعنى " أَضَلَّهُمْ " أي : دَعَاهم وصَرفَهُم إلى عبادة العِجْلِ ، وأضاف الإضلال إلى السَّامِرِيُّ ، لأنهم ضلوا بسببه{[26108]} . قال ابن عباس{[26109]} في رواية سعيد بن جبير : كان السامري عِلْجاً{[26110]} من أهل كِرْمان وقع إلى مصر ، وكان من قوم يعبدون البقر ، والأكثرون على أنه كان من عظماء بني إسرائيل من قبيلة يقال لها : السَّامرة . قاله الزجاج{[26111]} .
وقال عطاء عن ابن عباس كان الرجلُ من القبطِ جاراً لموسى وقد آمن رُوِيَ أنهم أقاموا{[26112]} بعد مفارقة موسى عشرين{[26113]} ليلة وحسبوها أربعين مع أيَّامِها ، وقالوا قد أكملنا العدة ، ثم كان{[26114]} أمر العجل بعد ذلك .
فإن قيل : كيف التوفيق بين هذا وبين قوله لموسى عند مقدمه { فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ } .
فالجواب{[26115]} من وجهين :
الأول{[26116]} : أنه تعالى أخبر عن الفتنة المترقبة بلفظ الموجودة{[26117]} الكائنة على عادته كقوله : { اقتربت الساعة }{[26118]} { ونادى أَصْحَابُ الجنة }{[26119]} إلى غير ذلك .
الثاني : أنَّ السامري شرع في تدبير الأمر لما غاب موسى -عليه السلام{[26120]}- ثم رجع موسى إلى قومه بعد ما استوفى الأربعين ذا القعدة وعشر{[26121]} ذي الحجة{[26122]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.