البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قَالَ فَإِنَّا قَدۡ فَتَنَّا قَوۡمَكَ مِنۢ بَعۡدِكَ وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِيُّ} (85)

قال : { فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري } أي اختبرناهم بما فعل السامري أو ألقيناهم في فتنة أي ميل مع الشهوات ووقوع في اختلاف { من بعدك } أي من بعد فراقك لهم .

وقال الزمخشري : أراد بالقوم المفتونين الذين خلفهم مع هارون ، وكانوا ستمائة ألف ما نجا من عبادة العجل إلاّ اثنا عشر ألفاً فإن قلت : في القصة أنهم أقاموا بعد مفارقته عشرين ليلة وحسبوا أربعين مع أيامها ، وقالوا قد أكملنا العدة ثم كان أمر العجل بعد ذلك ، فكيف التوفيق بين هذا وبين قوله تعالى لموسى عند مقدمه { إنا قد فتنا قومك من بعدك } ؟ قلت : قد أخبر الله تعالى عن الفتنة المترقبة بلفظ الموجودة الكائنة على عادته ، وافترض السامري غيبته فعزم على إضلالهم غب انطلاقه .

وأخذ في تدبير ذلك فكان بدء الفتنة موجوداً انتهى .

وقرأ الجمهور : { وأضلهم } فعلاً ماضياً .

وقرأ أبو معاذ وفرقة وأضَلُهم برفع اللام مبتدأ والسامري خبره وكان أشدهم ضلالاً لأنه ضال في نفسه مضل غيره .

وفي القراءة الشهري أسند الضلال إلى السامري لأنه كان السبب في ضلالهم ، وأسند الفتنة إليه تعالى لأنه هو الذي خلقها في قلوبهم .

و { السامري } قيل اسمه موسى بن ظفر .

وقيل : منجا وهو ابن خالة موسى أو ابن عمه أو عظيم من بني إسرائيل من قبيلة تعرف بالسامرة ، أو علج من كرمان ، أو من باجرما أو من اليهود أو من القبط آمن بموسى وخرج معه ، وكان جاره أو من عبّاد البقر وقع في مصر فدخل في بني إسرائيل بظاهره وفي قلبه عبادة البقر أقوال وتقدم في الأعراف كيفية اتخاذ العجل وقبل ذلك في البقرة فأغنى عن إعادته هنا .