إن جملة { لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد } يجوز أن تكون من بقية ما يقال للمتقين ابتداء من قوله : { هذا ما توعدون لكل أوّاب حفيظ } فيكون ضمير الغيبة التفاتاً وأصله : لكم ما تشاؤون . ويجوز أن تكون مما خوطب به الفريقان في الدنيا وعلى الاحتمالين فهي مستأنفة استئنافاً بيانياً .
و { لدينا مزيد } ، أي زيادة على ما يشاؤون مما لم يخطرُ ببالهم ، وذلك زيادة في كرامتهم عند الله ووردت آثار متفاوتة القوة أن من المزيد مفاجأتهم بخيرات ، وفيها دلالة على أن المفاجأة بالإنعام ضرب من التلطف والإكرام ، وأيضاً فإن الأنعام يجيئهم في صور معجبة .
والقول في { مزيد } هنا كالقول في نظيره السابق آنفاً .
وجاء ترتيب الآيات في منتهى الدقة فبدأت بذكر إكرامهم بقوله : { وأزلفت الجنة للمتقين } ، ثم بذكر أن الجنة جزاؤهم الذي وعدوا به فهي حق لهم ، ثم أوْمَأت إلى أن ذلك لأجل أعمالهم بقوله : { لكل أوّاب حفيظ مَن خشي الرحمان } الخ ، ثم ذكرت المبالغة في إكرامهم بعد ذلك كله بقوله : { ادخلوها بسلام } ، ثم طمْأنهم بأن ذلك نعيم خالد ، وزِيد في إكرامهم بأن لهم ما يشاؤون ما لم يروه حين الدخول ، وبأن الله عدهم بالمزيد من لدنه .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{لهم ما يشاءون} من الخير {فيها} وذلك أن أهل الجنة يزورون ربهم على مقدار كل يوم جمعة في رمال المسك، فيقول: سلوني، فيسألونه الرضا؟ فيقول: رضاي أحلكم داري، وأنا لكم كرامتي، ثم يقرب إليهم ما لم تره عين، ولم تسمعه أذن، ولم يخطر على قلب بشر، ثم يقول: سلوني ما شئتم، فيسألون حتى تنتهي مسألتهم فيعطون على ما سألوا وفوق ذلك. فذلك قوله: {لهم ما يشاءون فيها}، ثم يزيدهم الله من عنده ما لم يسألوا، ولم يتمنوا، ولم يخطر على قلب بشر من جنة عدن، فذلك قوله: {ولدينا مزيد} يعني وعندنا مزيد...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"لَهُمْ ما يَشاءُونَ فِيها "يقول: لهؤلاء المتقين ما يريدون في هذه الجنة التي أُزلفت لهم من كل ما تشتهيه نفوسهم، وتلذّه عيونهم.
وقوله: "وَلَدَيْنا مَزِيدٌ" يقول: وعندنا لهم على ما أعطيناهم من هذه الكرامة التي وصف جلّ ثناؤه صفتها مزيد يزيدهم إياه، وقيل: إن ذلك المزيد: النظر إلى الله جلّ ثناؤه...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{لهم ما يشاءون فيها} أي لهم ما يختارون فيها، لا يُجبرون، ولا يُكرهون فيها على شيء، إذ المشيئة، هي صفة كل فاعل مختار، وإن كانت المشيئة مشيئة التّمني والتّشهي، فكأنه قال: لهم ما يتمنّون، ويتخيّرون،.. والثاني: {ولدينا مزيد} من نعيمها ما لا يبلُغ تمنّيهم وشهواتهم كقوله عليه السلام في صفة نعيم الجنة: (ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر) [البخاري 3244] لأن الأماني والشهوات إنما تكون لما سبق لجنسه من الذي تقع عليه الرؤية والنظر أو الخير، فأما ما لا معرفة له فلا يُتمنّى، ولا يُشتهى، والله أعلم...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
لم يقل: "لهم ما يسألون " بل قال: {لَهُمُ مَّا يَشَاءونَ}: فكلُّ ما يخطر ببالهم فإنَّ سؤلَهم يتحقق لهم في الوَهْلة، وإذا كانوا اليوم يقولون: ما يشاء الله فإنَّ لهم غداً منه الإحسان... وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ}: اتفق أهل التفسير على أنه الرؤية، والنظر إلى الله سبحانه وقومٌ يقولون: المزيد على الثواب في الجنة -ولا منافاة بينهما...
قوله تعالى: {لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد}.
وفي الآية ترتيب في غاية الحسن، وذلك لأنه تعالى بدأ ببيان إكرامهم حيث قال: {وأزلفت الجنة للمتقين} ولم يقل: قرب المتقون من الجنة بيانا للإكرام حيث جعلهم ممن تنقل إليهم الجنان بما فيها من الحسان، ثم قال لهم هذا لكم، بقوله: {هذا ما توعدون} ثم بين أنه أجر أعمالهم الصالحة بقوله: {لكل أواب حفيظ} وقوله {من خشي الرحمن} فإن تصرف المالك الذي ملك شيئا بعوض أتم فيه من تصرف من ملك بغير عوض، لإمكان الرجوع في التمليك بغير عوض، ثم زاد في الإكرام بقوله: {ادخلوها} كما بينا أن ذلك إكرام، لأن من فتح بابه للناس، ولم يقف ببابه من يرحب الداخلين، لا يكون قد أتى بالإكرام التام، ثم قال: {ذلك يوم الخلود} أي لا تخافوا ما لحقكم من قبل حيث أخرج أبويكم منها، فهذا دخول لا خروج بعده منها.
ثم لما بين أنهم {فيها خالدون} قال: لا تخافوا انقطاع أرزاقكم وبقاءكم في حاجة، كما كنتم في الدنيا من كان يعمر ينكس ويحتاج، بل لكم الخلود، ولا ينفد ما تمتعون به فلكم ما تشاءون في أي وقت تشاءون، وإلى الله المنتهى، وعند الوصول إليه، والمثول بين يديه، فلا يوصف ما لديه، ولا يطلع أحد عليه، وعظمة من عنده تدلك على فضيلة ما عنده، هذا هو الترتيب، وأما التفسير، ففيه مسألتان:
المسألة الأولى: قال تعالى: {ادخلوها بسلام} على سبيل المخاطبة.
ثم قال: {لهم} ولم يقل لكم ما الحكمة فيه؟ الجواب عنه من وجوه:
(الأول) هو أن قوله تعالى: {ادخلوها} مقدر فيه يقال لهم، أي يقال لهم {ادخلوها} فلا يكون على هذا التفاتا.
(الثاني) هو أنه من باب الالتفات والحكمة الجمع بين الطرفين، كأنه تعالى يقول: أكرمهم به في حضورهم، ففي حضورهم الحبور، وفي غيبتهم الحور والقصور.
(والثالث) هو أن يقال قوله تعالى: {لهم} جاز أن يكون كلاما مع الملائكة، يقول للملائكة: توكلوا بخدمتهم، واعلموا أن لهم ما يشاءون فيها، فأحضروا بين أيديهم ما يشاءون، وأما أنا فعندي ما لا يخطر ببالهم، ولا تقدرون أنتم عليه.
المسألة الثانية: قد ذكرنا أن لفظ {مزيد} يحتمل أن يكون معناه الزيادة، فيكون كما في قوله تعالى: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} ويحتمل أن يكون بمعنى المفعول، أي عندنا ما نزيده على ما يرجون وما يكون مما يشتهون.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(لهم ما يشاؤون فيها، ولدينا مزيد).. فمهما اقترحوا فهم لا يبلغون ما أعد لهم. فالمزيد من ربهم غير محدود..
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.