معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَٱلَّيۡلِ إِذۡ أَدۡبَرَ} (33)

{ والليل إذ أدبر } قرأ نافع وحمزة وحفص ويعقوب { إذ } بغير ألف ، { أدبر } بالألف ، وقرأ الآخرون " إذا " بالألف ، " دبر " بلا ألف ، لأنه أشد موافقة لما يليه ، وهو قوله : { والصبح إذا أسفر }( المدثر-34 ) ولأنه ليس في القرآن قسم بجانبه ( إذ ) وإنما بجانب الأقسام ( إذا ) ، وكلاهما لغة ، يقال : دبر الليل وأدبر .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلَّيۡلِ إِذۡ أَدۡبَرَ} (33)

ويعقب على هذه الوقفة التقريرية لهذه الحقيقة من حقائق الغيب ، ولمناهج التصور الهادية والمضللة . . يعقب على هذا بربط حقيقة الآخرة ، وحقيقة سقر ، وحقيقة جنود ربك ، بظواهر الوجود المشهودة في هذا العالم ، والتي يمر عليها البشر غافلين ، وهي تشي بتقدير الإرادة الخالقة وتدبيرها ، وتوحي بأن وراء هذا التقدير والتدبير قصدا وغاية ، وحسابا وجزاء :

كلا والقمر . والليل إذ أدبر . والصبح إذا أسفر . إنها لأحدى الكبر . نذيرا للبشر . .

ومشاهد القمر ، والليل حين يدبر ، والصبح حين يسفر . . مشاهد موحية بذاتها ، تقول للقلب البشري أشياء كثيرة ؛ وتهمس في أعماقه بأسرار كثيرة ؛ وتستجيش في أغواره مشاعر كثيرة . والقرآن يلمس بهذه الإشارة السريعة مكامن هذه المشاعر والأسرار في القلوب التي يخاطبها ، على خبرة بمداخلها ودروبها !

وقل أن يستيقظ قلب لمشهد القمر حين يطلع وحين يسري وحين يغيب . . ثم لا يعي عن القمر شيئا يهمس له به من أسرار هذا الوجود ! وإن وقفة في نور القمر أحيانا لتغسل القلب كما لو كان يستحم بالنور !

وقل أن يستيقظ قلب لمشهد الليل عند إدباره ، في تلك الهدأة التي تسبق الشروق ، وعندما يبدأ هذا الوجود كله يفتح عينيه ويفيق . . ثم لا ينطبع فيه أثر من هذا المشهد وتدب في أعماقه خطرات رفافة وشفافة .

وقل أن يستيقظ قلب لمشهد الصبح عند إسفاره وظهوره ، ثم لا تنبض فيه نابضة من إشراق وتفتح وانتقال شعوري من حال إلى حال ، يجعله أشد ما يكون صلاحية لاستقبال النور الذي يشرق في الضمائر مع النور الذي يشرق في النواظر .

والله الذي خلق القلب البشري يعلم أن هذه المشاهد بذاتها تصنع فيه الأعاجيب في بعض الأحايين ، وكأنها تخلقه من جديد .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱلَّيۡلِ إِذۡ أَدۡبَرَ} (33)

وإدبار الليل : اقتراب تقضيه عند الفجر ، وإسفار الصبح : ابتداء ظهور ضوء الفجر .

وكل من { إذْ } و { إذَا } واقعان اسمي زمان منتصبان على الحال من الليل ومن الصبح ، أي أُقسم به في هذه الحالة العجيبة الدالة على النظام المحكم المتشابه لمحو الله ظلمات الكفر بنور الإِسلام قال تعالى : { كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور } [ إبراهيم : 1 ] .

وقد أجريت جملة { إنها لإِحدى الكبر } مجرى المثل .

ومعنى { إحدى } أنها المتوحدة المتميزة من بين الكبر في العظم لا نظيرة لها كما يقال : هو أحدَ الرجال لا يراد : أنه واحد منهم ، بل يراد : أنه متوحد فيهم بارز ظاهر ، كما تقدم في قوله : { ذرني ومن خلقت وحيداً } [ المدثر : 11 ] ، وفي المثل « هذه إحدى حُظَيَّات لقمان » .

وقرأ نافع وحمزة وحفص ويعقوب وخلف { إذْ أدبر } بسكون ذال { إذ } وبفتح همزة { أدبر } وإسكان داله ، أقسم بالليل في حالة إدباره التي مضت وهي حالة متجددة تَمضي وتَحْضُر وتُستْقبل ، فأي زمن اعتبر معها فهي حقيقة بأن يُقسم بكونها فيه ، ولذلك أقسم بالصبح إذَا أسفر مع اسم الزمن المستقبل . وقرأه ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم والكسائيّ وأبو جعفر { إِذَا دَبَر } بفتح الذال المعجمة من { إذا } بعدها ألف ، وبفتح الدّال المهملة من دَبَر على أنه فعل مضي مجرد ، يقال : دَبَر ، بمعنى : أدبر ، ومنه وصفه بالدّابر في قولهم : أمسسِ الدّابرِ ، كما يقال : قبل بمعنَى أقبل ، فيكون القسم بالحالة المستقبلة من إدبار الليل بعد نزول الآية ، على وزان { إذَا أسفر } في قراءة الجميع ، وكل ذلك مستقيم فقد حصل في قراءة نافع وموافقيه تفنن في القسم .