الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَٱلَّيۡلِ إِذۡ أَدۡبَرَ} (33)

قوله : { إِذْ أَدْبَرَ } : قرأ نافعٌ وحمزةُ وحفصٌ " إذ " ظرفاً لِما مضى مِنْ الزمانِ ، " أَدْبَرَ " بزنةِ أَكْرَمَ . والباقون " إذا " ظرفاً لِما يُسْتقبل ، " دَبَرَ " بزنةِ ضَرَبَ ، والرسمُ محتملٌ لكلتَيْهما ، فالصورةُ الخطيَّةُ لا تختلفُ . واختار أبو عبيد قراءةَ " إذا " قال : لأنَّ بعدَه " إذا أَسْفَرَ " قال : " وكذلك هي في حرفِ عبدِ الله " قلت : يعني أنَّه مكتوبٌ بألفَيْنِ بعد الذالِ أحدُهما ألفُ " إذا " والأخرى همزةُ " أَدْبَرَ " . واختار ابنُ عباس أيضاً " إذا " ويُحْكى أنَّه لَمَّا سَمِعَ " أَدْبَرَ " قال : " إنما يُدْبِر ظهرُ البعير " .

واختلفوا : هل دَبَر وأَدْبَر ، بمعنى أم لا ؟ فقيل : هما بمعنىً واحدٍ/ يقال : دَبَر الليلُ والنهارُ وأَدْبَرَ ، وقَبَلَ وأَقْبل . ومنه قولُهم " أمسٌ الدابرُ " فهذا مِنْ دَبَرَ ، وأمسٌ المُدْبر قال :

4394 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** . . . . . . . . . . . . . ذهبوا كأمس الدابِر

وأمَّا أَدْبَرَ الراكبُ وأَقْبل فرباعيٌّ لا غيرُ . هذا قولُ الفراء والزجاج . وقال يونس : " دَبَرَ انقضى ، وأَدْبَرَ تَوَلَّى ففرَّق بينهما . وقال الزمخشري : " ودَبَرَ بمعنى أَدْبَرَ كقَبَل بمعنى أَقْبَلَ . قيل : ومنه صاروا كأمسٍ الدابرِ ، وقيل : هو من دَبَرَ الليلُ النهارَ إذا خَلَفَه " .

وقرأ العامَّةُ " أسْفَرَ " بالألف ، وعيسى بنُ الفضل وابن السَّمَيْفَع " سَفَرَ " ثلاثياً " . والمعنى : طَرَحَ الظلمةَ عن وجهِه ، على وجهِ الاستعارةِ .