المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{وَٱلَّيۡلِ إِذۡ أَدۡبَرَ} (33)

وكذلك هو القسم ب { الليل } وب { الصبح } ، فيعود التعظيم في آخر الفكرة وتحصيل المعرفة إلى الله تعالى مالك الكل وقوام الوجود ونور السماء والأرض ، لا إله إلا هو العزيز القهار . وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو والكسائي وأبو بكر عن عاصم : «إذ أدَبَر » بفتح الدال والباء{[11439]} ، وهي قراءة ابن عباس وابن المسيب وابن الزبير ومجاهد وعطاء ويحيى بن يعمر وأبي جعفر وشيبة وأبي الزناد وقتادة وعمر بن عبد العزيز والحسن وطلحة . وقرأ نافع وحمزة وحفص عن عاصم ، «إذا أدْبر » بسكون الدال وبفعل رباعي ، وهي قراءة سعيد بن جبير وأبي عبد الرحمن والحسن بخلاف عنهم والأعرج وأبي شيخ وابن محيصن وابن سيرين ، قال يونس بن حبيب : «دبر » معناه انقضى و «أدبر » معناه تولى . وفي مصحف ابن مسعود وأبيّ بن كعب «إذ أدَبر » بفتح الدال وألف في [ إذا ]{[11440]} وبفعل رباعي وهي قراءة الحسن وأبي رزين وأبي رجاء ويحيى بن يعمر . وسأل مجاهد ابن عباس عن دبر الليل فتركه حتى إذا سمع المنادي الأول للصبح قال له : يا مجاهد ، هذا حين دبر الليل ، وقال قتادة : دبر الليل ولى . قال الشاعر [ الأصمعي ] : [ الكامل ]

وأبي الذي ترك الملوك وجمعهم*** بهضاب هامدة كأمس الدابر{[11441]}

والعرب تقول في كلامها كأمس المدبر ، قال أبو علي الفارسي : فالقراءتان جميعاً حسنتان .


[11439]:الذي في الأصول "دبر" بفتح الدال والباء، ولم تذكر (إذا) وذكرناها لأنها بالألف، وهي تختلف عن قراءة عاصم برواية حفص (إذ) الثابتة في المصحف. واعتمدنا في ذلك على ما ذكره القرطبي وأبو حيان في البحر المحيط.
[11440]:زاد في بعض النسخ "وفتح الدال"، وهذا خطأ من النساخ لأن الفعل الرباعي لا تفتح معه الدال.
[11441]:هذا البيت في اللسان غير منسوب، ذكره شاهدا على أن الدابر بمعنى الذاهب، قال: "وأمس الدابر: الذاهب، وقالوا: مضى أمس الدابر وأمس المدبر، وهذا من التطوع المشام للتأكيد لأن اليوم إذا قيل فيه أمس فمعلوم أنه دبر، لكنه أكده بقوله: الدابر، قال الشاعر: وأبي الذي... البيت"، والرواية فيه: "بصهاب" فموضع جعلوه اسما للبقعة ، وأنشد الأصمعي هذا البيت شاهدا على ذلك. راجع اللسان – دبر وصهب.