اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَٱلَّيۡلِ إِذۡ أَدۡبَرَ} (33)

قوله تعالى : { والليل إِذْ أَدْبَرَ } .

قرأ نافع{[58557]} وحمزة وحفص : «إذ » ظرفاً لما مضى من الزمان «أدبر » بزنة «أكْرَمَ » .

والباقون : «إذا » ظرفاً لما يستقبل «دَبَرَ » بزنة «ضَرَبَ » .

والرَّسْمُ محتمل لكلتيهما ، فالصورة الخطية لا تختلف .

واختار أبو عبيد قراءة «إذا » ، قال : لأن بعده «إذَا أسْفرَ » ، قال : «وكذلك هي في حرف عبد الله » ، يعني : أنه مكتوب بألفين بعد الذال ؛ أحدهما : ألف «إذا » والأخرى همزة «أدبر » .

قال : وليس في القرآن قسم يعقبه «إذ » ، وإنما يعقبه «إذا » .

واختار ابن عباس - رضي الله عنه - : «إذا » .

ويحكى عنه : أنه لما سمع «دَبَرَ » قال : «إنَّما يدبرُ ظهر البعير » .

واختلفوا : هل «دبر ، وأدبر » بمعنى أم لا ؟ .

فقيل : هما بمعنى واحد ، يقال : دبر الليل والنهار وأدبر ، وقبل وأقبل ؛ ومنه قولهم : «أمس الدابر » فهذا من «دَبَر » ، و «أمس المُدبِر » ؛ قال صَخرُ بن عمرو بن الشَّريدِ السُّلمِيُّ : [ الكامل ]

4970 - ولقَدْ قَتلْتُكمْ ثُنَاءَ ومَوْحَداً***وتَركْتُ مُرَّةَ مِثلَ أمْسِ الدّابرِ{[58558]}

ويروى : «المُدْبِر » ، وهذا قول الفرَّاء والأخفش والزجاج .

وأما : «أدبر الراكب » وأقبل فرباعي لا غير .

وقال يونس : «دبر » انقضى ، و «أدبر » تولى ، ففرق بينهما .

وقال الزمخشري : «ودبر : بمعنى أدبر » ك «قبل بمعنى أقبل » .

وقيل منه : صاروا كأمسِ الدابر .

وقيل : هو من دبر الليل بالنهار ، إذا خلفه .

وذكر القرطبي{[58559]} عن بعض أهل اللغة : «دبر الليل : إذا مضى ، وأدبر : أخذ في الإدبار » .

وقرأ محمد{[58560]} بن السميفع : «والليل إذا أدبر » بألفين ، وكذلك هي في مصحف عبد الله وأبيّ .

وقال قطرب : من قرأ «دبر » فيعني أقبل ، من قول العرب : دبر فلان ، إذا جاء من خلفي .

قال أبو عمرو : وهي لغة قريش .


[58557]:ينظر: السبعة 259، والحجة 6/338، وإعراب القراءات 2/410، وحجة القراءات 433.
[58558]:قال البطليوسي في كتابه الاقتضاب في شرح أدب الكتاب ص 270 كذا وقع في النسخ أي مثل أمس الدابر والصواب المدبر، لأن بعده: ولقد دمغت إلى دريد طعنة***نجلاء تزغل مثل عط المنجر ينظر العقد الفريد لابن عبد ربه 5/166، والاقتضاب ص 270، 466، ومجاز القرآن 1/115، 2/152، واللسان (دبر).
[58559]:الجامع لأحكام القرآن 19/55.
[58560]:ينظر: البحر المحيط 8/369، والدر المصون 6/419.