قوله عز وجل : { ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً } الآية .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، محمد بن إسماعيل ، حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان ، حدثنا عمرو ، عن عطاء ، عن ابن عباس في قوله تعالى { الذين بدلوا نعمة الله كفراً } ، قال : هم والله كفار قريش . وقال عمرو : هم قريش ، ومحمد صلى الله عليه وسلم نعمة الله . { وأحلوا قومهم دار البوار } ، قال : البوار يوم بدر ، قوله { بدلوا نعمة الله } أي : غيروا نعمة الله عليهم في محمد صلى الله عليه وسلم حيث ابتعثه الله تعالى منهم كفرا كفروا به فأحلوا ، أي : أنزلوا ، قومهم ممن تابعهم على كفرهم دار البوار الهلاك .
( ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار ، جهنم يصلونها ، وبئس القرار ؟ ! )
( وجعلوا لله أندادا ليضلوا عن سبيله . قل : تمتعوا فإن مصيركم إلى النار ) . .
ألم تر إلى هذا الحال العجيب . حال الذين وهبوا نعمة الله ، ممثلة في رسول وفي دعوة إلى الإيمان ، وفي قيادة إلى المغفرة ، وإلى مصير في الجنة . . فإذا هم يتركون هذا كله ويأخذون بدله( كفرا ) ! أولئك هم السادة القادة من كبراء قومك - مثلهم مثل السادة القادة من كل قوم
وقوله : { ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً } الآية ، هذا تنبيه على مثال من ظالمين أضلوا ، والتقدير : بدلوا شكر نعمة الله كفراً ، وهذا كقوله : { وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون }{[7074]} [ الواقعة : 82 ] .
و { نعمة الله } المشار إليها في هذه الآية هو محمد عليه السلام ودينه ، أنعم الله به على قريش ، فكفروا النعمة ولم يقبلوها ، وتبدلوا بها الكفر .
والمراد ب { الذين } كفرة قريش جملة - هذا بحسب ما اشتهر من حالهم - وهو قول جماعة من الصحابة والتابعين . وروي عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب : أنها نزلت في الأفجرين من قريش : بني مخزوم وبني أمية . قال عمر : فأما بنو المغيرة فكفوا يوم بدر{[7075]} . وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين ، وقال ابن عباس : هذه الآية في جبلة بن الأيهم{[7076]} .
قال القاضي أبو محمد : ولم يرد ابن عباس أنها فيه نزلت لأن نزول الآية قبل قصته ، وإنما أراد أنها تحصر من فعل جبلة إلى يوم القيامة .
وقوله : { وأحلوا قومهم } أي من أطاعهم ، وكان معهم في التبديل ، فكأن الإشارة والتعنيف إنما هي للرؤوس والأعلام ، و { البوار } الهلاك ، ومنه قول أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب .
يا رسول المليك إن لساني . . . فاتقٌ ما رتَقْتَ إذ أنا بُور{[7077]}
قال الطبري : وقال هو وغيره : إنه يروى لابن الزبعرى .
ويحتمل أن يريد ب { البوار } : الهلاك في الآخرة ففسره حينئذ بقوله : { جهنم يصلونها } ، يحترقون في حرها ويحتملونه ، ويحتمل أن يريد ب { البوار } : الهلاك في الدنيا بالقتل والخزي فتكون «الدار » قليب بدر ونحوه . وقال عطاء : نزلت هذه الآية في قتلى بدر .
قال القاضي أبو محمد : فيكون قوله : { جهنم } نصباً ، على حد قولك : زيداً ضربته ، بإضمار فعل يقتضيه الظاهر .
أعقب تمثيل الدينين ببيان آثارهما في أصحابهما . وابتُدىء بذكر أحوال المشركين لأنها أعجب والعبرة بها أولى والحذر منها مقدّم على التحلي بضدها ، ثم أعقب بذكر أحوال المؤمنين بقوله : { قل لعبادي الذين آمنوا } الخ .
والاستفهام مستعمل في التشويق إلى رؤية ذلك .
والرؤية هنا بصرية لأن متعلقها مما يرى ، ولأن تعدية فعلها ب { إلى } يرجح ذلك ، كما في قوله : { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه } [ سورة البقرة : 258 ] .
وقد نزل المخاطب منزلة من لم ير . والخطاب لمن يصح منه النظر إلى حال هؤلاء الذين بدلوا نعمة الله مع وضوح حالهم .
والكفر : كفران النعمة ، وهو ضد الشكر ، والإشراك بالله من كفران نعمته .
وفي قوله : { بدلوا نعمة الله كفراً } محسن الاحتباك . وتقدير الكلام : بدلوا نعمة الله وشُكرَها كفراً بها ونقمةً منه ، كما دل عليه قوله : { وأحلوا قومهم دار البوار } الخ .
واستعير التبديل لوضع الشيء في الموضع الذي يستحقه شيء آخر ، لأنه يشبه تبديل الذات بالذات .
والذين بدلوا هذا التبديل فريق معرفون ، بقرينة قوله : { ألم تر إلى الذين } ، وهم الذين تلقوا الكلمة الخبيثة من الشيطان ، أي كلمة الشرك ، وهم الذين استكبروا من مشركي أهل مكة فكابروا دعوة الإسلام وكذّبوا النبي صلى الله عليه وسلم وشرّدوا من استطاعوا ، وتسببوا في إحلال قومهم دار البوار ، فإسناد فعل { أحلوا } إليهم على طريقة المجاز العقلي .
ونعمة الله التي بدلوها هي نعمة أن بوّأهُم حرمه ، وأمنهم في سفرهم وإقامتهم ، وجعل أفئدة الناس تهوي إليهم ، وسلمهم مما أصاب غيرهم من الحروب والغارات والعدوان ، فكفروا بمن وهبهم هذه النعم وعبدوا الحجارة . ثم أنعم الله عليهم بأن بعث فيهم أفضل أنبيائه صلى الله عليهم جميعاً وهداهم إلى الحق ، وهيّأ لهم أسباب السيادة والنجاة في الدنيا والآخرة ، فبدّلو شكر ذلك بالكفر به ، فنعمة الله الكبرى هي رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ودعوة إبراهيم وبنيّته عليهم السلام .
وقومهم : هم الذين اتبعوهم في ملازمة الكفر حتى ماتوا كفاراً ، فهم أحق بأن يضافوا إليهم .
والبوار : الهلاك والخسران . وداره : محله الذي وقع فيه .
والإحلال بها الإنزال فيها ، والمراد بالإحلال التسبب فيه ، أي كانوا سبباً لحلول قومهم بدار البوار ، وهي جهنم في الآخرة ، ومواقع القتل والخزي في الدنيا مثل : موقع بدر ، فيجوز أن يكون { دار البوار } جهنم ، وبه فسر علي وابن عبّاس وكثير من العلماء ، ويجوز أن تكون أرض بدر وهو رواية عن علي وعن ابن عباس .
واستعمال صيغة المضي في { أحلوا } لقصد التحقيق لأن الإحلال متأخر زمنه فإن السورة مكية .
والمراد ب { الذين بدلوا نعمة الله كفراً وأحلوا قومهم دار البوار } صناديد المشركين من قريش ، فعلى تفسير { دار البوار } بدار البوار في الآخرة يكون قوله { جهنم } بدلاً من { دار البوار } وجملة { يصلونها } حالاً من { جهنم } ، فتخص { دار البوار } بأعظم أفرادها وهو النار ، ويجعل ذلك من ذكر بعض الأفراد لأهميته .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.