معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَنَادَىٰٓ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِ أَصۡحَٰبَ ٱلۡجَنَّةِ أَنۡ أَفِيضُواْ عَلَيۡنَا مِنَ ٱلۡمَآءِ أَوۡ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُۚ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ} (50)

قوله تعالى : { ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا } ، أي صبوا .

قوله تعالى : { علينا من الماء أو مما رزقكم الله } ، أي أوسعوا علينا مما رزقكم الله من طعام الجنة ، قال عطاء عن ابن عباس : لما صار أصحاب الأعراف إلى الجنة طمع أهل النار في الفرج ، وقالوا : يا رب إن لنا قرابات من أهل الجنة ، فأذن لنا حتى نراهم ونكلمهم ، فينظرون إلى قرابتهم في الجنة وما هم فيه من النعيم فيعرفونهم ، ولا يعرفهم أهل الجنة لسواد وجوههم ، فينادي أصحاب النار أصحاب الجنة بأسمائهم ، وأخبروهم بقراباتهم : { أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله }

قوله تعالى : { قالوا إن الله حرمهما على الكافرين } ، يعني : الماء والطعام .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَنَادَىٰٓ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِ أَصۡحَٰبَ ٱلۡجَنَّةِ أَنۡ أَفِيضُواْ عَلَيۡنَا مِنَ ٱلۡمَآءِ أَوۡ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُۚ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ} (50)

37

وأخيراً . ها نحن أولاء نسمع صوتاً آتياً من قبل النار ، ملؤه الرجاء والاستجداء :

( ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة : أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله ) !

وها نحن أولاء نلتفت إلى الجانب الآخر نسمع الجواب ملؤه التذكير الأليم المرير :

( قالوا : إن الله حرمهما على الكافرين . الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً وغرتهم الحياة الدنيا ) . .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَنَادَىٰٓ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِ أَصۡحَٰبَ ٱلۡجَنَّةِ أَنۡ أَفِيضُواْ عَلَيۡنَا مِنَ ٱلۡمَآءِ أَوۡ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُۚ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ} (50)

وقوله تعالى : { ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة } الآية ، لفظة النداء تتضمن أن أهل النار وقع لهم علم بأن أهل الجنة يسمعون نداءهم ، وجائز أن يكون ذلك وهم يرونهم بإدراك يجعله الله لهم على بعد السفل من العلو ، وجائز أن يكون ذلك وبينهم السور والحجاب المتقدم الذكر ، وروي أن ذلك النداء هو عند إطلاع أهل الجنة عليهم ، و { أن } في قوله : { أن أفيضوا } مفسرة بمعنى أي ، وفاض الماء إذا سال وانماع ، وأفاضه غيره ، وقوله : { أو مما رزقكم الله } إشارة إلى الطعام قاله السدي ، فيقول لهم أهل الجنة إن الله حرم طعام الجنة وشرابها على الكافرين .

قال القاضي أبو محمد : والأشنع على الكافرين في هذه المقالة أن يكون بعضهم يرى بعضاً فإنه أخزى وأنكى للنفس ، وإجابة أهل الجنة بهذا الحكم هو عن أمر الله تعالى ، وذكر الزهراوي : أنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «أفضل الصدقة بالماء » ، يعني عند الحاجة إليه إذ هو ألذ مشروب وأنعشها للنفس ، واستسقى الشعبي عند مصعب فقال له أي الأشربة تحب ؟ فقال أهونها موجوداً وأعزها مفقوداً ، فقال له مصعب : يا غلام هات الماء .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَنَادَىٰٓ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِ أَصۡحَٰبَ ٱلۡجَنَّةِ أَنۡ أَفِيضُواْ عَلَيۡنَا مِنَ ٱلۡمَآءِ أَوۡ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُۚ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ} (50)

القول في { نادى } وفي { أنْ } التّفسيريّة كالقول في : { ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا } [ الأعراف : 44 ] الآية . وأصحاب النّار مراد بهم من كان من مشركي أمّة الدّعوة لأنّهم المقصود كما تقدّم ، وليوافق قوله بعدُ { ولقد جئناهم بكتاب فصلناه } [ الأعراف : 52 ] .

فعل الفيض حقيقته سيلان الماء وانصبابه بقوّة ويستعمل مجازاً في الكثرة ، ومنه ما في الحديث : " ويَفيض المالُ حتّى لا يقبَله أحد " . ويجيء منه مجاز في السّخاء ووفرة العطاء ، ومنه ما في الحديث أنّه قال لطلحة : « أنت الفيَّاض » . فالفيض في الآية إذا حمل على حقيقته كان أصحاب النّار طالبين من أصحاب الجنّة أن يصبّوا عليهم ماء ليشربوا منه ، وعلى هذا المعنى حمله المفسّرون ، ولأجل ذلك جعل الزمخشري عطف { ما رزقكم الله } عطفاً على الجملة لا على المفرد . فيقدّر عامل بعد حرف العطف يناسب ما عدَا الماءَ تقديره : أو أعطونا ، ونظّره بقول الشّاعر ( أنشده الفراء ) :

عَلَفْتُها تِبْنا وماءً بارداً *** حتّى شَبَتْ هَمَّالَةً عيناها

تقديره : علفتها وسَقيتها ماء بارداً ، وعلى هذا الوجه تكون ( مِن ) بمعنى بعض ، أو صفة لموصوف محذوف تقديره : شيئاً من الماء ، لأنّ : { أفيضوا } يتعدّى بنفسه .

ويجوز عندي أن يحمل الفيض على المعنى المجازي ، وهو سعة العطاء والسّخاء ، من الماء والرزق ، إذ ليس معنى الصبّ بمناسب بل المقصود الإرسال والتّفضل ، ويكون العطف عطف مفرد على مفرد وهو أصل العطف . ويكون سُؤلهم من الطّعام مماثلاً لسؤْلهم من الماء في الكثرة ، فيكون في هذا الحمل تعريض بأن أصحاب الجنّة أهل سخاء ، وتكون ( مِن ) على هذا الوجه بيانية لمعنى الإفاضة ، ويكون فعل { أفيضوا } مُنزلاً منزلة اللاّزم ، فتتعلّق مِنْ بفعل { أفيضوا } .

والرّزق مراد به الطّعام كما في قوله تعالى : { كلما رزقوا منها من ثمرة } [ البقرة : 25 ] الآية .

وضمير { قالوا } لأصحاب الجنّة ، وهو جوابهم عن سؤال أصحاب النّار ، ولذلك فصل على طريقة المحاورة .

والتّحريم في قوله : { حرمهما على الكافرين } مستعمل في معناه اللّغوي وهو المنع كقول عنترة :

حَرُمَتْ عليّ وليتَها لَمْ تَحْرُم

وقولِه : { وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون } [ الأنبياء : 95 ] .

والمراد بالكافرين المشركون ، لأنّهم قد عُرفوا في القرآن بأنّهم اتّخذوا دينهم لهواً ولعباً ، وعُرفوا بإنكار لقاءِ يوم الحشر .