معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ثُمَّ جَعَلۡنَٰكُمۡ خَلَـٰٓئِفَ فِي ٱلۡأَرۡضِ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ لِنَنظُرَ كَيۡفَ تَعۡمَلُونَ} (14)

قوله تعالى : { ثم جعلناكم خلائف } ، أي : خلفاء ، { في الأرض من بعدهم } ، أي : من بعد القرون التي أهلكناهم ، { لننظر كيف تعملون } ، وهو أعلم بهم . وروينا عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { ألا إن هذه الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون } .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ثُمَّ جَعَلۡنَٰكُمۡ خَلَـٰٓئِفَ فِي ٱلۡأَرۡضِ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ لِنَنظُرَ كَيۡفَ تَعۡمَلُونَ} (14)

وإذ يعرض عليهم نهاية المجرمين ، الذين جاءتهم رسلهم بالبينات فلم يؤمنوا ، فحق عليهم العذاب ، يذكرهم أنهم مستخلفون في مكان هؤلاء الغابرين ، وأنهم مبتلون بهذا الاستخلاف ممتحنون فيما استخلفوا فيه :

( ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون ) . .

وهي لمسة قوية للقلب البشري ؛ إذ يدرك أنه مستخلف في ملك أديل من مالكيه الأوائل ، وأجلي عنه أهله الذين سبق لهم أن مكنوا فيه ، وأنه هو بدوره زائل عن هذا الملك ، وإنما هي أيام يقضيها فيه ، ممتحنا بما يكون منه ، مبتلى بهذا الملك ، محاسبا على ما يكسب ، بعد بقاء فيه قليل !

إن هذا التصور الذي ينشئه الإسلام في القلب البشري . . فوق أنه يريه الحقيقة فلا تخدعه عنها الخدع . . يظل يثير فيه يقظة وحساسية وتقوى ، هي صمام الأمن له ، وصمام الأمن للمجتمع الذي يعيش فيه .

إن شعور الإنسان بأنه مبتلى وممتحن بأيامه التي يقضيها على الأرض ، وبكل شيء يملكه ، وبكل متاع يتاح له ، يمنحه مناعة ضد الاغترار والانخداع والغفلة ؛ ويعطيه وقاية من الاستغراق في متاع الحياة الدنيا ، ومن التكالب على هذا المتاع الذي هو مسؤول عنه وممتحن فيه .

وإن شعوره بالرقابة التي تحيط به ، والتي يصورها قول الله سبحانه :

( لننظر كيف تعملون ) . .

ليجعله شديد التوقي ، شديد الحذر ، شديد الرغبة في الإحسان ، وفي النجاة أيضا من هذا الامتحان ! وهذا مفرق الطريق بين التصور الذي ينشئه الإسلام في القلب البشري بمثل هذه اللمسات القوية ؛ والتصورات التي تخرج الرقابة الإلهية والحساب الأخروي من حسابها ! . . فإنه لا يمكن أن يلتقي اثنان أحدهما يعيش بالتصور الإسلامي والآخر يعيش بتلك التصورات القاصرة . . لا يمكن أن يلتقيا في تصور للحياة ، ولا في خلق ، ولا في حركة ؛ كما لا يمكن أن يلتقي نظامان إنسانيان يقوم كل منهما على قاعدة من هاتين القاعدتين اللتين لا تلتقيان !

والحياة في الإسلام حياة متكاملة القواعد والأركان . ويكفي أن نذكر فقط مثل هذه الحقيقة الأساسية في التصور الإسلامي ؛ وما ينشأ عنها من آثار في حركة الفرد والجماعة . وهي من ثم لا يمكن خلطها بحياة تقوم على غير هذه الحقيقة ، ولا بمنتجات هذه الحياة أيضا !

والذين يتصورون أنه من الممكن تطعيم الحياة الإسلامية ، والنظام الإسلامي ، بمنتجات حياة أخرى ونظام آخر ، لا يدركون طبيعة الفوارق الجذرية العميقة بين الأسس التي تقوم عليها الحياة في الإسلام والتي تقوم عليها الحياة في كل نظام بشري من صنع الإنسان !

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ثُمَّ جَعَلۡنَٰكُمۡ خَلَـٰٓئِفَ فِي ٱلۡأَرۡضِ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ لِنَنظُرَ كَيۡفَ تَعۡمَلُونَ} (14)

و { خلائف } جمع خليفة ، وقوله { لننظر } معناه لنبين في الوجود ما علمناه أزلاً ، لكن جرى القول على طريق الإيجاز والفصاحة والمجاز ، وقرأ يحيى بن الحارث{[1]} وقال : رأيتها في الإمام مصحف عثمان ، «لنظر » بإدغام النون في الظاء{[2]} .

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : إن الله تعالى إنما جعلنا خلفاء لينظر كيف عملنا فأروا الله حسن أعمالكم في السر والعلانية ، وكان أيضاً يقول : قد استخلفت يا ابن الخطاب فانظر كيف تعمل ؟ وأحيانا كان يقول قد استخلفت يا ابن أم عمر .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟
[2]:- ولم يكن الله ليمتن على رسوله بإيتائه فاتحة الكتاب وهو بمكة، ثم ينزلها بالمدينة، ولا يسعنا القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب، هذا ما لا تقبله العقول، قاله الواحدي. وقوله تعالى: (ولقد آتيناك...) هو من الآية رقم (87) من سورة الحجر.