اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ثُمَّ جَعَلۡنَٰكُمۡ خَلَـٰٓئِفَ فِي ٱلۡأَرۡضِ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ لِنَنظُرَ كَيۡفَ تَعۡمَلُونَ} (14)

قوله : " ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ " أي : خلفاء " فِي الأرض مِن بَعْدِهِم " أي : من بعد القرون التي أهلكناهم ، وهذا خطابٌ للذين بعث إليهم محمد صلى الله عليه وسلم .

قوله : " لِنَنظُرَ " متعلق بالجعل ، وقرأ يحيى{[18339]} الذماري بنون واحدة ، وتشديد الظَّاء ، وقال يحيى : " هكذا رأيتُه في مصحف عثمان " ، يعني : أنَّه رآها بنُون واحدة ، ولا يعني أنَّهُ رآها مشددة ؛ لأنَّ هذا الشَّكل الخاصَّ إنَّما حدث بعد عثمان ، وخرجوها على إدغامِ النُّونِ الثانية في الظَّاء ، وهو رَدِيءٌ جداً ، وأحسنُ ما يقال هنا : إنَّه بالغ في إخفاءِ غُنَّة النُّون السَّاكنة ، فظنَّه السَّامع إدغاماً ، ورؤيته له بنُونٍ واحدةٍ ، لا يدلُّ على قراءته إيَّاه مشددة الظَّاءِ ، ولا مُخَفَّفها .

قال أبو حيان{[18340]} : " ولا يدلُّ على حذف النُّون من اللفظِ " وفيه نظرٌ ؛ لأنه كيف يقرأ ما لم يكن مكتوباً في المصحف الذي رآه ؟ وقوله : " كَيْفَ " منصوبٌ ب " تَعْملُون " على المصدر ، أي : أيَّ عملٍ تعملُون ، وهي معلِّقة للنَّظر .

فإن قيل : كيف جاز النَّظرُ إلى الله تعالى وفيه معنى المقابلة ؟

فالجواب : أنَّه استعير لفظُ النظرِ للعلم الحقيقيِّ ، الذي لا يتطرَّقُ إليه الشَّكُّ ، وشبه هذا العلم بنظرِ النظر ، وعيان العاين .

فإن قيل : قوله : " لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ " مُشْعرٌ بأنَّ الله - تعالى - ما كان عالماً بأحوالهم قبل وجودهم .

فالجواب : أنَّه - تعالى - يعامل العباد معاملة من يطلب العلم بما يكون منهم ؛ ليُجازيهُم بجنسه ، كقوله : { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } [ هود : 7 ] ، قال - عليه الصلاة والسلام - : " إنَّ الدُّنْيَا خضرةٌ حُلوةٌ وإنَّ الله مُستخْلفُكُمْ فيهَا فنَاظِرٌ كيف تعمَلُون " {[18341]} ، قال الزجاج : " موضع " كيف " نصب بقوله : " تَعْمَلُون " ؛ لأنَّها حرف استفهام ، والاستفهام لا يعمل فيه ما قبله " .


[18339]:ينظر: المحرر الوجيز 3/110، البحر المحيط 5/135، الدر المصون 4/13.
[18340]:ينظر: البحر المحيط 5/135.
[18341]:أخرجه مسلم (4/2098) كتاب الذكر والدعاء: باب أكثر أهل الجنة الفقراء حديث (99/2742) وأحمد (3/46) والترمذي (4/419) حديث (2191) وابن ماجه (4000) من طرق عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري. وأخرجه البخاري (3/393) كتاب الزكاة: باب الاستعفاف عن المسألة حديث (1472) من حديث حكيم بن حزام. وأخرجه أبو يعلى (11/487) رقم (6606) من حديث أبي هريرة وقال الهيثمي (3/102) وفيه داود بن العطار وفيه كلام. وأخرجه أبو يعلى (13/19) رقم (7099) والطبراني في" "الكير" (24/24) رقم (58) من حديث ميمونة. وقال الهيثمي (10/249- 250): وفيه المثنى بن الصباح وهو ضعيف.