تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{ثُمَّ جَعَلۡنَٰكُمۡ خَلَـٰٓئِفَ فِي ٱلۡأَرۡضِ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ لِنَنظُرَ كَيۡفَ تَعۡمَلُونَ} (14)

وقوله تعالى : ( ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ ) يحتمل ( خلائف ) أي جعل أنفسكم خلف أنفس أولئك الذين لم يهلكهم الذين لم يهلكهم . يخرج هذا مخرج تذكير النعمة والامتنان والرحمة ؛ يذكرهم أنه لو شاء أهلك الكل ، فلا يكون هؤلاء خلف أولئك . ولكن بفضله ورحمته أبقاكم .

ويحتمل قوله : ( ثم جعلناكم خلائف ) [ أولئك في المحنة والعبادة ؛ أي جعلك عليكم من المحنة والعبادة كما كان على آبائكم من المحنة والعبادة . ويشبه أن يكون قوله : ( ثم جعلناكم خلائف )[ ساقطة من م ] الذين لم يظلموا ، فكيف لا تتبعونهم ؟

لأن الذين ظلموا قد أهلكهم ، فأنتم خلائف أولئك الذين لم يظلموا ، أو يكذبوا الرسل ، فكيف لا تتبعونهم ؟ كأنهم ادعوا أن آباءهم كانوا على ما هم عليه ، وأنهم على مذاهب آبائهم .

يقول : ( ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ ) أي لست أنا بأول رسول أرسلت إليكم ، بل لم يزل الله يرسل رسولا في الأمم ، فكان فيه لهم أتباع يتبعون رسلهم إلى ما يدعوهم إليه ، ويجيبونهم ، فاتبعوني أنتم يا أهل مكة في ما دعيتم إليه .

قوله تعالى : ( لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ) لم يزل الله عالما بما كان ، ويكون منهم من المعصية والطاعة ، ولكن ليعلمهم عصاة ومطيعين ؛ لأن المعصية إنما تكون بعد ما يكون النهي ، والطاعة إنما تكون بالأمر ، فيبتليكم ، ويعلمكم عصاة كما علم أنه يكون منكم الطاعة . وقد ذكرنا أمثال هذا في ما تقدم ، والله أعلم .