معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قُلۡ إِنَّ رَبِّي يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقۡدِرُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (36)

قوله تعالى :{ قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر } يعني : أن الله يبسط الرزق ويقدر ابتلاءً وامتحاناً لا يدل البسط على رضا الله عنه ولا التضييق على سخطه ، { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } أنها كذلك .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قُلۡ إِنَّ رَبِّي يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقۡدِرُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (36)

28

والقرآن يضع لهم ميزان القيم كما هي عند الله ؛ ويبين لهم أن بسط الرزق وقبضه ، ليست له علاقة بالقيم الثابتة الأصيلة ؛ ولا يدل على رضى ولا غضب من الله ؛ ولا يمنع بذاته عذاباً ولا يدفع إلى عذاب . إنما هو أمر منفصل عن الحساب والجزاء ، وعن الرضى والغضب ، يتبع قانوناً آخر من سنن الله :

( قل : إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر . ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) . .

وهذه المسألة . مسألة بسط الرزق وقبضه ؛ وتملك وسائل المتاع والزينة أو الحرمان منها ، مسألة يحيك منها شيء في صدور كثيرة . ذلك حين تتفتح الدنيا أحياناً على أهل الشر والباطل والفساد ، ويحرم من أعراضها أحياناً أهل الخير والحق والصلاح ؛ فيحسب بعض الناس أن الله ما كان ليغدق على أحد إلا وهو عنده ذو مقام . أو يشك بعض الناس في قيمة الخير والحق والصلاح ، وهم يرونها محوطة بالحرمان !

ويفصل القرآن هنا بين أعراض الحياة الدنيا والقيم التي ينظر الله إليها . ويقرر أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر . وأن هذه مسألة ورضاه وغضبه مسألة أخرى ولا علاقة بينهما . وقد يغدق الله الرزق على من هو عليه غاضب كما يغدقه على من هو عليه راض . وقد يضيق الله على أهل الشر كما يضيق على أهل الخير . ولكن العلل والغايات لا تكون واحدة في جميع هذه الحالات .

لقد يغدق الله على أهل الشر استدراجاً لهم ليزدادوا سوءاً وبطراً وإفساداً ، ويتضاعف رصيدهم من الإثم والجريمة ، ثم يأخذهم في الدنيا أو في الآخرة - وفق حكمته وتقديره - بهذا الرصيد الأثيم ! وقد يحرمهم فيزدادوا شراً وفسوقاً وجريمة ، وجزعاً وضيقاً ويأساً من رحمة الله ، وينتهوا بهذا إلى مضاعفة رصيدهم من الشر والضلال .

ولقد يغدق الله على أهل الخير ، ليمكنهم من أعمال صالحة كثيرة ما كانوا بالغيها لو لم يبسط لهم في الرزق ، وليشكروا نعمة الله عليهم بالقلب واللسان والفعل الجميل ؛ ويذخروا بهذا كله رصيداً من الحسنات يستحقونه عند الله بصلاحهم وبما يعلمه من الخير في قلوبهم . وقد يحرمهم فيبلو صبرهم على الحرمان ، وثقتهم بربهم ، ورجاءهم فيه ، واطمئنانهم إلى قدره ، ورضاهم بربهم وحده ، وهو خير وأبقى ؛ وينتهوا بهذا إلى مضاعفة رصيدهم من الخير والرضوان .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُلۡ إِنَّ رَبِّي يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقۡدِرُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (36)

{ قل } ردا لحسبانهم . { إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر } ولذلك يختلف فيه الأشخاص المتماثلة في الخصائص والصفات ، ولو كان ذلك لكرامة وهوان يوجبانه لم يكن بمشيئته . { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } فيظنون أن كثرة الأموال والأولاد للشرف والكرامة وكثيرا ما يكون للاستدراج كما قال : { وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى } .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قُلۡ إِنَّ رَبِّي يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقۡدِرُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (36)

وبسط الرزق : تيسيره وتكثيره ، استعير له البسط وهو نشر الثوب ونحوِه لأن المبسوط تكثر مساحة انتشاره .

وقَدْر الرزق : عُسر التحصيل عليه وقلة حاصله ؛ استعير له القَدْر ، أي التقدير وهو التحديد لأن الشيء القليل يسهل عدّه وحسابه ولذلك قيل في ضده { يرزق من يشاء بغير حساب } [ البقرة : 212 ] ، ومفعول { يقدر } محذوف دل عليه مفعول { يبسط } . وتقدم نظيره في سورة الرعد .

ومفعول { يعلمون } محذوف دل عليه الكلام ، أي لا يعلمون أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر باعتبار عموم من يشاء من كونه صالحاً أو طالحاً ، ومن انتفاء علمهم بذلك أنهم توهموا بسط الرزق علامة على القرب عند الله ، وضده علامة على ضد ذلك . وبهذا أخطأ قول أحمد بن الرواندي :

كم عَاقِلٍ عَاقل أعيتْ مذاهبُه *** وجَاهل جَاهل تلقاه مَرزوقا

هذا الذي ترك الأوهام حائرة *** وصيَّر العالم النحرير زنديقا

فلو كان عالماً نحريراً لما تحيّر فهمه ، وما تزندق من ضيق عطن فكره .