ثم يأتي الإيقاع الأخير في السورة بعد تلك الجولات مع المشركين في الكون والتاريخ وفي ذوات أنفسهم وفي أطوار حياتهم ، ثم هم بعد ذلك كله يكفرون ويتطاولون . . يأتي الإيقاع الأخير في صورة توجيه لقلب الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] ومن معه من المؤمنين :
( فاصبر إن وعد الله حق ، ولا يستخفنك الذين لا يوقنون ) . .
إنه الصبر وسيلة المؤمنين في الطريق الطويل الشائك الذي قد يبدو أحيانا بلا نهاية ! والثقة بوعد الله الحق ، والثبات بلا قلق ولا زعزعة ولا حيرة ولا شكوك . . الصبر والثقة والثبات على الرغم من اضطراب الآخرين ، ومن تكذيبهم للحق وشكهم في وعد الله . ذلك أنهم محجوبون عن العلم محرومون من أسباب اليقين . فأما المؤمنون الواصلون الممسكون بحبل الله فطريقهم هو طريق الصبر والثقة واليقين . مهما يطل هذا الطريق ، ومهما تحتجب نهايته وراء الضباب والغيوم !
وهكذا تختم السورة التي بدأت بوعد الله في نصر الروم بعد بضع سنين ، ونصر المؤمنين . تختم بالصبر حتى يأتي وعد الله ؛ والصبر كذلك على محاولات الاستخفاف والزعزعة من الذين لا يوقنون .
فيتناسق البدء والختام . وتنتهي السورة وفي القلب منا إيقاع التثبيت القوي بالوعد الصادق الذي لا يكذب ، واليقين الثابت الذي لا يخون . .
{ فاصبر } على أذاهم . { إن وعد الله } بنصرتك وإظهار دينك على الدين كله . { حق } لا بد من إنجازه . { ولا يستخفنك } ولا يحملنك على الخفة والقلق . { الذين لا يوقنون } بتكذيبهم وإيذائهم فإنهم شاكون ضالون لا يستبدع منهم ذلك . وعن يعقوب بتخفيف النون ، وقرئ " ولا يستحقنك " أي لا يزيغنك فيكونوا أحق بك مع المؤمنين .
ثم أمر نبيه بالصبر وقوى نفسه لتحقيق الوعد ونهاه عن الاهتزاز لكلامهم والتحرك واضطراب النفس لأقوالهم إذ هم لا يقين لهم ولا بصيرة ، وقرأ ابن أبي إسحاق ويعقوب «يستحقنك » بحاء غير معجمة وقاف من الاستحقاق{[2]} ، والجمهور على الخاء المعجمة والفاء من الاستخفاف ، إلا أن ابن أبي إسحاق ويعقوب{[3]} سكنا النون من «يستخفنك » ، وروي أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان في صلاة الفجر فناداه رجل من الخوارج بأعلى صوته فقرأ هذه الآية : { ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين }{[4]} [ الزمر : 65 ] ، فعلم علي رضي الله عنه مقصده في هذا وتعريضه به فأجابه وهو في الصلاة بهذه الآية : { فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون }{[5]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.