تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{فَٱصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞۖ وَلَا يَسۡتَخِفَّنَّكَ ٱلَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} (60)

وفي ختام السورة وصية جديدة للرسول والمؤمنين بالصبر واليقين بالنصر ليتوافق الختام مع البدء حيث بدئت السورة ببيان هزيمة الروم أمام الفرس وبوعد الله أن ينتصر الروم على الفرس في بضع سنين وأن هذا الوعد لن يتخلف فالله لا يخلف الميعاد ثم يكون الختام مؤيدا لهذا المعنى .

{ فاصبر إن وعد الله حق لا يستخلفنك الذين لا يوقنون . }

المفردات :

لا يستخفنك : لا يحملنك على الخفة والقلق .

لا يوقنون : لا يصدقون بالبعث ولا يؤمنون بالله ورسوله إيمانا حقا .

التفسير :

أي اصبر يا محمد على أداء رسالتك ، وتبليغ دعوتك أنت ومن معك من المؤمنين متحملين الشكوك من الكافرين والعقبات من المشركين .

{ ولا يستخلفنك الذين لا يوقنون . }

أي : لا يحملنك على الخفة والقلق الذين لا يوقنون بوعد الله فهم في شك منه وقلق وحيرة لأن قلوبهم محجوبة عن الإيمان بالله واليقين بما عنده .

إن الله تعالى منجزلك وعده بالنصر والتوفيق ، فلا يتسرب إليك القلق أو الشك أو الخفة ، من تكذيبهم بالآيات ، وإنكارهم لها ومكرهم فيها ، فان العاقبة للمتقين ، ولمن اعتصم بما جئت به من المؤمنين ، وفي هذا إرشاد للنبي صلى الله عليه وسلم وتعليم له ، بأن يتلقى المكاره بصدر رحب ، وسعة حلم .

أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر والحاكم والبيهقي : أن رجلا من الخوارج نادى عليا وهو في صلاة الفجر فقال : { ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين } . ( الزمر : 65 ) فأجابه وهو في الصلاة : فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخلفنك الذين لا يوقنون .

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

ختام السورة:

خلاصة موجزة لما اشتملت عليه سورة الروم

1- إثبات النبوة بالإخبار بالغيب .

2- البراهين الدالة على الوحدانية .

3- الاعتبار بما حدث للمكذبين من قبلهم .

4- الأدلة التي في الآفاق شاهدة على وحدانية الله وعظيم قدرته .

5- الأدلة على صحة البعث .

6- الأمر بعبادة الله وحده وهي الفطرة التي فطر الله الناس عليها .

7- النهي عن اتباع المشركين الذين فرقوا دينهم بحسب أهوائهم .

8- من دأب الناس الفرح بالنعمة والقنوط من الشدة ، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات .

9- الأمر بالتصدق على ذوي القربى والمساكين وابن السبيل .

10- في النظر في آثار المكذبين عبرة لمن اعتبر .

11- تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم على عدم إيمان قومه بأنهم صم عمي لا يسمعون ولا يبصرون .

12- الرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغ الغاية في الإعذار والإنذار لكن قومه قد بلغوا الغاية في التكذيب والإنكار .

13- أمره صلى الله عليه وسلم بالاستمرار في تبليغ الدعوة ، مهما لاقى من الأذى والإحباط فإن العاقبة للمتقين .

i انظر تفسير الجلالين والطبري ومقاتل بن سليمان وظلال القرآن وفي أسباب النزول للوا حدي .

ii في تفسير الجلالين أن نصر الروم كان يوم بدر ، فإذا لاحظنا أن نزول سورة الروم كان قبل الهجرة بسنة ، رجحنا ما ورد في تفسير مقاتل بن سليمان من أن نصر الروم على الفرس جاء خبرة للمسلمين وهم في الحديبية ( 6 هجريا ) ولذلك يكون بين الهزيمة والنصر بضع سنين أو سبع سنين .

iii التفسير المنير أ د وهبة الزحيلي 21/49 ، وتفسير القاسمي 13/456 تحقيق ا محمد فؤاد عبد الباقي طبعة دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان 1415ه - 1994م .

iv تفسير القاسمي .

v أعددت لعبادي الصالحين ما لا عيبن رأت :

رواه البخاري في بدء الخلق 3244 ، وفي التفسير ح4779 ، وفي التوحيد ح 7498 ومسلم في الجنة ح 3824 والترمذي في التفسير ح 3197 ، 3292 وابن ماجة في الزهد ح 4328 ، وأحمد ح 9328 ، وأحمد ح 9365 ، 9688-10051 والدارمي في الرقاق ح2828 من حديث أبي هريرة .

vi باسمك رب وضعت جنبي وبك أرفعه :

رواه البخاري في الدعوات ( 6320 ) وفي التوحيد ( 7393 ) ومسلم في الذكر ( 2714 ) من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره فإنه لا يدري ما خلفه عليه ثم يقول : باسمك رب وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين .

vii الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا :

رواه البخاري في الدعوات ( 6312-6314-6324 ) والترمذي في الدعوات ( 3417 ) وأحمد في مسنده ( 22760 ) من حديث حذيفة بن اليمان قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه قال : " باسمك أموت وأحيا وإذا قام قال : الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور " ورواه البخاري في الدعوات ( 6325 ) من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه من الليل قال : " اللهم باسمك أموت وأحيا " فإذا استيقظ قال : الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور " .

viii اللهم غارت النجوم وهدأت العيون :

قال الهيثمي في المجتمع عن زيد بن ثابت قال : أصابني أرق من الليل فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : قل " اللهم غارت النجوم وهدأت العيون وأنت حي قيوم يا حي قيوم أنم عيني وأهدىء ليلي " فقلتها فذهب عني وقال رواه الطبراني وفيه عمرو بن الحصين العقيلي وهو متروك وذكره مالك في الموطأ كتاب النداء للصلاة فقال : وحدتني عن مالك أنهم بلغهم أن أبا الدرداء كان يقون من جوف الليل فيقول : نامت العيون وغارت النجوم وأنت حي قيوم فذكره هكذا من قول أبي الدر داء وقال الحافظ ابن حجر لم أقف على من وصله ، ولا أسنده ابن عبد البر مع تتبعه لذلك ، الخ ، الفتوحات الربانية 3/177 .

ix اللهم رب السماوات السبع : رواه الترمذي في الدعوات ( 3523 ) من حديث بريدة قال : شكا خالد بن الوليد المخزومي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ما أنام الليل من الرق فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا أويت على فراشك فقل : اللهم رب السموات السبع وما أظلت ورب الأرضين وما أقلت ورب الشياطين وما أضلت كن لي جارا من شر خلقك كلهم جميعا أن يفرط على أحد منهم أو أن يبغى عز جارك وجل ثناؤك ولا إله غيرك لا إله إلا أنت " قال أبو عيسى : هذا حديث ليس إسناده بالقوي والحكم بن ظهير قد ترك حديثه بعض أهل الحديث ويروى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا عن غير هذا الوجه .

x التفسير الكبير لفخر الدين الرازي دار إحياء التراث العربي ببيروت لبنان طبعة جديدة ملونة ، المجلد التاسع ص 99 .

xi عجبا لأمر المؤمن :

أخرجه مسلم في الزهد ( 2999 ) وأحمد ( 18455-18460-23406-23412 ) والدارمي ( 2777 ) من حديث صهيب بن سنان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له " .

xii والله ما يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم :

رواه البخاري في بدء الوحي ( 4 ) وفي الحوالة ( 2298 ) وفي المناقب ( 3906 ) وفي التفسير ( 4954 ) ومسلم في الإيمان ( 160 ) من حديث عائشة قالت : أول ما بدء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة ، الحديث وفيه : فقال لخديجة وأخبرها الخبر " لقد خشيت على نفسي " فقالت خديجة كلا والله ما يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقرى الضيف وتعين على نوائب الحق . . . الحديث .

xiii تفسير القاسمي المجلد الخامس ص 466 تحقيق فؤاد عبد الباقي مطبعة دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان .

xiv تفسير القاسمي المجلد الخامس ص 466 تحقيق فؤاد عبد الباقي مطبعة دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان وهناك بقية الأدلة .

xv رجح ذلك الرأي محمد سيد طنطاوي في تفسير الآية .

xvi من تصدق بعدل ثمرة من كسب طيب :

رواه البخاري في الزكاة ( 1410 ) وفي التوحيد ( 7429 ) ومسلم في الزكاة ( 1014 ) والترمذي في الزكاة ( 661 ) والنسائي في الزكاة ( 2525 ) وابن ماجة في الزكاة ( 1842 ) والدارمي في الزكاة ( 1675 ) وأحمد في مسنده ( 8181-8738-9142- 9281 -9738-10562 ) من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من تصدق بعدل ثمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب وإن الله يتقبلها بيمينه ثم يريها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل " ورواه أحمد في مسنده ( 25604 ) من حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله ليربي لأحدكم التمرة واللقمة كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله حتى يكون مثل أحد " .

xvii منن رد عن عرض أخيه :

رواه الترمذي في البر ( 1931 ) وأحمد في مسنده ( 26988 ) من حديث أبي الدر داء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة قال أبو عيسى هذا حديث حسن .

xviii تفسير القاسمي المجلد الخامس ص 469 مطابع دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان .

xix في ظلال القران 21/45 طبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه .

xx والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم :

رواه البخاري في المغازي ( 3976 ) من حديث أبي طلحة أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا مكن صناديد قريش فقذفوا في طوى من اطواء بدر خبيث وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشد عليها رحلها ثم مشى واتبعه أصحابه وقالوا ما نرى ينطلق إلا لبعض حاجته حتى قام على شفة الركى فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم : " يا فلان بن فلان ، ويا فلان بن فلان أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا " ؟ قال : فقال عمر : يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح لها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم " قال قتادة أحياهم الله حتى أسمعهم قوله توبيخا وتصغيرا وحسرة وندما ، ورواه البخاري في الجنائز ( 1370 ) وفي المغازي( 4026 ) من حديث ابن عمر قال : اطلع النبي صلى الله عليه وسلم على أهل القليب فقال : " وجدتم ما وعد ربكم حقا " ؟ فقيل له : تدعو أمواتا فقال " ما أنتم باسمع منهم ولكن لا يجيبون " ورواه مسلم في الجنة ( 2873 ) من حديث أنس : كنت مع عمر ح وحدثنا شيبان بن فروج واللفظ له حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت بن مالك قال : كنا مع عمر بين مكة والمدينة فتراءينا الهلال وكنت رجلا حديد البصر فرأيته وليس أحد يزعم أنه رآه غيري قال : فجعلت أقول لعمر أما تراه فجعل لا يراه قال عمر : سأراه وأنا مستلق على فراشي ثم أنشأ يحدثنا عن أهل بدر فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرينا مصارع أهل بدر بالأمس يقول هذا مصرع فلان غدا إن شاء الله قال : فقال عمر : فوالدي بعثه بالحق ما أخطئوا الحدود التي حد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فجعلوا في بئر بعضهم على بعض فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى إليه فقال : " يا فلان ويا فلان بن فلان هل وجدتم ما وعدكم الله ورسوله حقا فإني قد وجدت ما وعدني الله حقا " ؟ قال عمر : يا رسول الله كيف تكلم أجسادا لا روح فيها ؟ قال : " ما أنتم بأسمع لما أقول منهم غير أنهم لا يستطيعون أن يردوا علي شيئا " ورواه مسلم في الجنة ( 2875 ) من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك قتلى بدر ثلاثا ثم أتاهم فقام عليهم فناداهم فقال : " يا أبا جهل بن هشام يا أمية بن خلف يا عتبة بن ربيعة يا شيبة بن ربيعة أليس قد وجدتم ما وعد ربكم حقا فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا ؟ فسمع عمر قول النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله كيف يسمعون وأنى يجيبون وقد جيفوا ؟ قال : " والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا " ثم أمر بهم فسحبوا فألقوا في قليب بدر .

xxi السلام عليكم دار قوم مؤمنين :

رواه مسلم في الجنائز ( 974 ) والنسائي في الجنائز ( 2039 ) وأحمد في مسنده ( 23904 ) من حديث عائشة أنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما كان ليلتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول : " السلام عليكم دار قوم مؤمنين وأتاكم ما توعدون غدا مؤجلون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون اللهم اغفر لأهل البقيع الغرقد " ولم يقل قتيبة قوله : واتاكم .

xxii انظر تفسير ابن كثير وتفسير الألوسي وتفسير الطبري وتفسير القاسمي والتفسير الوسيط بإشراف مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر والتفسير المنير للأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي .

xxiii تفسير القاسمي .