السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَٱصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞۖ وَلَا يَسۡتَخِفَّنَّكَ ٱلَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} (60)

ثم إنه تعالى سلّى نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى : { فاصبر } أي : على إنذارهم مع هذا الجفاء والردّ بالباطل والأذى فإنّ الكل فعلنا لم يخرج منه شيء عن إرادتنا { إنّ وعد الله } أي : الذي له الكمال كله بنصرك وإظهار دينك على الدين كله وفي كل ما وعد به { حق } أي : ثابت جدّاً يطابقه الواقع كما يكشف عنه الزمان وتأتي به مطايا الحدثان .

ولما كان التقدير فلا تعجل عطف عليه قوله تعالى { ولا يستخفنك } أي : يحملنك على الخفة ويطلب أن تخف باستعجال النصر خوفاً من عواقب تأخيره وتنفيرك عن التبليغ { الذين لا يوقنون } أي : أذى الذين لا يصدقون بوعدنا من البعث والحشر وغير ذلك تصديقاً ثابتاً في القلب بل هم إما شاكون وأدنى شيء يزلزلهم كمن يعبد الله على حرف ، أو مكذبون فهم بالغون في العداوة والتكذيب حتى أنهم لا يصدّقون في وعد الله بنصر الروم على فارس كأنهم على ثقة وبصيرة من أمرهم في أنّ ذلك لا يكون . فإذا صدق الله وعده في ذلك بإظهاره عن قرب علموا كذبهم عياناً ، وعلموا إن كان لهم علم أنّ الوعد بالساعة لإقامة العدل على الظالم والعود بالفضل على المحسن كذلك يأتي وهم صاغرون ويحشرون وهم داخرون .

{ وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون } ( الشعراء ، 227 ) فقد انعطف آخر السورة على أوّلها واتصل به اتصال القريب بالقريب . وها أنا أسأل الله تعالى القريب المجيب أن يغفر ذنوب من كتب هذا وهو محمد الشربيني الخطيب ويفعل ذلك بوالديه وأولاده ومشايخه وكل محب له وحبيب ، وقول البيضاوي تبعاً للزمخشريّ عن النبي صلى الله عليه وسلم : «من قرأ سورة الروم كان له من الأجر عشر حسنات بعدد كل ملك يسبح الله بين السماء والأرض وأدرك ما صنع في يومه وليلته » حديث موضوع رواه الثعلبيّ في تفسيره والله تعالى أعلم بالصواب .