روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{فَٱصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞۖ وَلَا يَسۡتَخِفَّنَّكَ ٱلَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} (60)

{ فاصبر } أي إذا علمت حالهم وطبع الله تعالى على قلوبهم فاصبر على مكارههم من الأقوال الباطلة والأفعال السيئة { إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ } وقد وعدك عز وجل بالنصرة وإظهار الدين وإعلاء كلمة الحق ولا بد من إنجازه والوفاء به لا محالة { وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ } لا يحملنك على الخفة والقلق { الذين لاَ يُوقِنُونَ } بما تتلو عليهم من الآيات البينة بتكذيبهم إياها وإيذائهم لك بأباصيلهم التي من جملتها قولهم : { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ } [ الروم : 8 5 ] فإنهم شاكون ضالو ولا يستبدع أمثال ذلك منهم ، وقيل : أي لا يوقنون بأن وعد الله حق وهو كما ترى ، والحمل وإن كان لغيره صلى الله عليه وسلم لكن النهي راجع إليه عليه الصلاة والسلام فهو من باب لا أرينك ههنا وقد مر تحقيقه فكأنه قيل : لا تخف لهم جزعاً ، وفي الآية من إرشاده تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم وتعليمه سبحانه له كيف يتلقى المكاره بصدر رحيب ما لا يخفى .

وقرأ ابن أبي إسحق . ويعقوب { وَلاَ } بحاء مهملة وقاف من الاستحقاق ، والمعنى لا يفتننك الذين لا يوقنون ويكونوا أحق بك من المؤمنين على أنه مجاز عن ذلك لأن من فتن أحداً استماله إليه حتى يكون أحق به من غيره ، والنهي على هذه القراءة راجع إلى أمته عليه الصلاة والسلام دونه صلى الله عليه وسلم لمكان العصمة ، وقد تقدم نظائر ذلك وما للعلماء من الكلام فيها .

وقرأ الجمهور بتشديد النون وخففها ابن أبي عبلة . ويعقوب ، ومن لطيف ما يروى ما أخرجه ابن أبي شيبة . وابن جرير . وابن المنذر . وابن أبي حاتم . والحاكم . والبيهقي في «سننه » عن علي كرم الله تعالى وجهه أن رجلاً من الخوارج ناداه وهو في صلاة الفجر فقال : { وَلَقَدْ أُوْحِىَ إِلَيْكَ وَإِلَى الذين مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين } [ الزمر : 5 6 ] فأجابه كرم الله تعالى وجهه وهو في الصلاة { فاصبر إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ الذين لاَ يُوقِنُونَ } ولا بدع في هذا الجواب من باب مدينة العلم وأخي رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا .

ومن باب الإشارة : { فاصبر إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ الذين لاَ يُوقِنُونَ } [ الروم : 60 ] فيه إشارة لأهل الوراثة المحمدية أهل الإرشاد بأن يصبروا على مكاره المنكرين المحجوبين الذين لا يوقنون بصدق أحوالهم ولذا يستخفون بهم وينظرون إليهم بنظر الحقارة ويعيرونهم وينكرون عليهم فيما يقولون ويفعلون ، نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الموقنين وأن يحفظنا وأولادنا وإخواننا من الأمراض القلبية والقالبية بحرمة نبيه الأمين صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين .