معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ لَمۡ يَرۡتَابُواْ وَجَٰهَدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلصَّـٰدِقُونَ} (15)

ثم بين حقيقة الإيمان ، فقال :{ إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا } لم يشكوا في دينهم ، { وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون } في إيمانهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ لَمۡ يَرۡتَابُواْ وَجَٰهَدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلصَّـٰدِقُونَ} (15)

ثم بين لهم حقيقة الإيمان :

( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله . ثم لم يرتابوا . وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله . أولئك هم الصادقون ) .

فالإيمان تصديق القلب بالله وبرسوله . التصديق الذي لا يرد عليه شك ولا ارتياب . التصديق المطمئن الثابت المستيقن الذي لا يتزعزع ولا يضطرب ، ولا تهجس فيه الهواجس ، ولا يتلجلج فيه القلب والشعور . والذي ينبثق منه الجهاد بالمال والنفس في سبيل الله . فالقلب متى تذوق حلاوة هذا الإيمان واطمأن إليه وثبت عليه ، لا بد مندفع لتحقيق حقيقته في خارج القلب . في واقع الحياة . في دنيا الناس . يريد أن يوحد بين ما يستشعره في باطنه من حقيقة الإيمان ، وما يحيط به في ظاهره من مجريات الأمور وواقع الحياة . ولا يطيق الصبر على المفارقة بين الصورة الإيمانية التي في حسه ، والصورة الواقعية من حوله . لأن هذه المفارقة تؤذيه وتصدمه في كل لحظة . ومن هنا هذا الانطلاق إلى الجهاد في سبيل الله بالمال والنفس . فهو انطلاق ذاتي من نفس المؤمن . يريد به أن يحقق الصورة الوضيئة التي في قلبه ، ليراها ممثلة في واقع الحياة والناس والخصومة بين المؤمن وبين الحياة الجاهلية من حوله خصومة ذاتية ناشئة من عدم استطاعته حياة مزدوجة بين تصوره الإيماني ، وواقعه العملي . وعدم استطاعته كذلك التنازل عن تصوره الإيماني الكامل الجميل المستقيم في سبيل واقعه العملي الناقص الشائن المنحرف . فلا بد من حرب بينه وبين الجاهلية من حوله ، حتى تنثني هذه الجاهلية إلى التصور الإيماني والحياة الإيمانية .

( أولئك هم الصادقون ) . . الصادقون في عقيدتهم . الصادقون حين يقولون : إنهم مؤمنون . فإذا لم تتحقق تلك المشاعر في القلب ، ولم تتحقق آثارها في واقع الحياة ، فالإيمان لا يتحقق . والصدق في العقيدة وفي ادعائها لا يكون .

ونقف قليلا أمام هذا الاحتراس المعترض في الآية : ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله - ثم لم يرتابوا - ) . . إنه ليس مجرد عبارة . إنما هو لمس لتجربة شعورية واقعية . وعلاج لحالة تقوم في النفس . حتى بعد إيمانها . . ( ثم لم يرتابوا )وشبيه بها الاحتراس في قوله تعالى . . ( إن الذين قالوا ربنا الله . . ثم استقاموا . . )فعدم الارتياب . والاستقامة على قولة : ربنا الله . تشير إلى ما قد يعتور النفس المؤمنة - تحت تأثير التجارب القاسية ، والابتلاءات الشديدة - من ارتياب ومن اضطراب . وإن النفس المؤمنة لتصطدم في الحياة بشدائد تزلزل ، ونوازل تزعزع . والتي تثبت فلا تضطرب ، وتثق فلا ترتاب ، وتظل مستقيمة موصولة هي التي تستحق هذه الدرجة عند الله .

والتعبير على هذا النحو ينبه القلوب المؤمنة إلى مزالق الطريق ، وأخطار الرحلة ، لتعزم أمرها ، وتحتسب ، وتستقيم ، ولا ترتاب عندما يدلهم الأفق ، ويظلم الجو ، وتناوحها العواصف والرياح !

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ لَمۡ يَرۡتَابُواْ وَجَٰهَدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلصَّـٰدِقُونَ} (15)

{ إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا } لم يشكوا من ارتاب مطاوع رابه إذا أوقعه في الشك مع التهمة ، وفيه إشارة إلى ما أوجب نفي الإيمان عنهم ، و { ثم } للإشعار بأن اشتراط عدم الارتياب في اعتبار الإيمان ليس حال الإيمان فقط بل فيه وفيما يستقبل فهي كما في قوله : { ثم استقاموا } . { وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله } في طاعته والمجاهدة بالأموال والأنفس تصلح للعبادات المالية والبدنية بأسرها . { أولئك هم الصادقون } الذين صدقوا في ادعاء الإيمان .