نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ لَمۡ يَرۡتَابُواْ وَجَٰهَدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلصَّـٰدِقُونَ} (15)

ولما نفى عنهم الإيمان ، وكان ربما غلط شخص في نفسه فظن-{[60957]} أنه مؤمن ، وليس كذلك ، أخبر بالمؤمن على سبيل الحصر ذاكراً أمارته الظاهرة الباطنة ، وهي أمهات الفضائل : العلم والعفة والشجاعة ، فقال{[60958]} جواباً لمن قال : فمن الذي آمن ؟ عادلاً عن جوابه إلى وصف الراسخ ترغيباً في الاتصاف بوصفه وإيذاناً بأن المخبر عن نفسه بآية إيمانه{[60959]} لا يريد إلا أنه راسخ : { إنما المؤمنون } أي العريقون في الإيمان الذي هو حياة القلوب ، قال القشيري : والقلوب لا تحيى إلا بعد ذبح النفوس ، والنفوس لا تموت ولكنها تعيش { الذين آمنوا } أي صدقوا معترفين { بالله } معتقدين جميع ما له من صفات الكمال { ورسوله } شاهدين برسالته ، وهذا هو المعرفة التي هي العلم ، وغايتها الحكمة ، وهذا الإثبات هنا يدل على أن-{[60960]} المنفي فيما قيل الكمال لا المطلق ، وإلا لقال " إنما الذين آمنوا " .

ولما كان هذا عظيماً والثبات عليه أعظم ، وهو عين الحكمة ، أشار إلى عظيم مزية الثبات بقوله : { ثم } أي بعد امتطاء هذه الرتبة العظيمة { لم يرتابوا } أي ينازعوا-{[60961]} الفطرة الأولى في تعمد التسبب إلى الشك ولم يوقعوا الشك في وقت من الأوقات الكائنة بعد الإيمان ، فلا يزال على تطاول الأزمنة وحصول الفتن وصفهم بعدم الريب غضاً جديداً ، ولعله عبر بصيغة الافتعال إشارة إلى العفو عن حديث النفس الذي لا يستطيع الإنسان دفع أصله ويكرهه غاية الكراهة{[60962]} ويجتهد في دفعه ، فإذا أن ؟ المذموم المشي معه والمطاولة منه حتى يستحكم .

ولما ذكر الأمارة الباطنة على وجه جامع لجميع العبادات المالية والبدنية قال{[60963]} : { وجاهدوا } أي أوقعوا الجهاد بكل ما ينبغي أن تجهد النفس فيه تصديقاً لما ادعوه بألسنتهم من الإيمان { بأموالهم } وذلك هو العفة { وأنفسهم } أعم من النية وغيرها ، وذلك هو الشجاعة ، وقدم الأموال لقلتها في ذلك الزمان عند العرب { في سبيل الله } أي طريق الملك الأعظم بقتال الكفار وغيره من سائر العبادات المحتاجة إلى {[60964]}المال والنفس{[60965]} لا الذين يتخلفون ويقولون : شغلتنا أموالنا وأهلونا ، قال القشيري : جعل الله-{[60966]} الإيمان مشروطاً{[60967]} بخصال ذكرها ، وذكر بلفظ " إنما " وهي للتحقيق ، تقتضي الطرد والعكس ، فمن أفرد الإيمان عن شرائطه التي جعلها له فمردود عليه{[60968]} قوله ، والإيمان للعبد الأمان{[60969]} ، فإيمان{[60970]} لا يوجب الأمان لصاحبه فخلافه أولى به{[60971]} .

ولما عرف بهم بذكر أمارتهم على سبيل الحصر ، أنتج ذلك حصراً آخر قطعاً لأطماع المدعين على وجه أثنى عليهم فيه بما تعظم المدحة به عندهم ترغيباً {[60972]}في مثل{[60973]} حالهم فقال : { أولئك } أي العالو الرتبة الذين حصل لهم استواء الأخلاق والعدل في الدين بجميع أمهات الأخلاق { هم } أي خاصة { الصادقون * } قالاً وحالاً وفعالاً ، وأما غيرهم فكاذب .


[60957]:زيد من مد.
[60958]:من مد، وفي الأصل: قال.
[60959]:في مد: إنه.
[60960]:زيد من مد.
[60961]:زيد من مد.
[60962]:من مد، وفي الأصل: الاكراه.
[60963]:في الأصل ومد: فقال.
[60964]:من مد، وفي الأصل: النفس والمال.
[60965]:من مد، وفي الأصل: النفس والمال.
[60966]:زيد من مد.
[60967]:من مد، وفي الأصل: مخلوطا.
[60968]:زيد من مد.
[60969]:زيد من مد.
[60970]:من مد، وفي الأصل: كايمان.
[60971]:من مد، وفي الأصل: لصاحبه.
[60972]:من مد، وفي الأصل: لمثل.
[60973]:من مد، وفي الأصل: لمثل.