فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ لَمۡ يَرۡتَابُواْ وَجَٰهَدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلصَّـٰدِقُونَ} (15)

ثم لما ذكر سبحانه أن أولئك الذين قالوا آمنا لم يؤمنوا ، ولا دخل الإيمان في قلوبهم ، بين المؤمنين المستحقين لإطلاق اسم الإيمان عليهم فقال :

{ إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله } إيمانا صحيحا خالصا عن مواطأة القلب واللسان { ثم لم يرتابوا } أي لم يدخل في قلوبهم شيء من الريب ، ولا خالطهم شك من الشكوك ، أتى بثم للتراخي للإشارة إلى أن نفي الريب عنهم ليس في وقت حصول الإيمان فيهم ، وإنشائه فقط ، بل هو مستمر بعد ذلك فيما تطاول من الأزمنة فكأنه قال : ثم داموا على ذلك { وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله } أي : في طاعته وابتغاء مرضاته ويدخل في الجهاد الأعمال الصالحة التي أمر الله بها ، فإنها من جملة ما يجاهد المرء نفسه حتى يقوم به ويؤديه ، كما أمر الله سبحانه ، والطاعات كلها في سبيل الله وجهته ، والمجاهدة بالأموال عبارة عن العبادات المالية كالزكاة ، وقدم الأموال لحرص الإنسان عليها ، فإن ماله شقيق روحه ، وجاهدوا بمعنى بذل الجهد . أو مفعول مقدر ، أي : العدو أو النفس والهوى .

{ أولئك } أي : الجامعون بين الأمور المذكورة { هم الصادقون } في الاتصاف بصفة الإيمان والدخول في عداد أهله ، لا من عداهم ممن أظهر الإسلام بلسانه ، وادعى أنه مؤمن ولم يطمئن بالإيمان قلبه ، ولا وصل إليه معناه ، ولا عمل بأعمال أهله ، وهم الأعراب الذين تقدم ذكرهم وسائر أهل النفاق ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لأولئك الأعراب وأمثالهم قولا آخر لما ادعوا أنهم مؤمنون فقال :

{ قل : أتعلمون الله ؟ } التعليم ههنا بمعنى الإعلام ، ولهذا أدخلت الباء في { بدينكم } أي أتخبرونه بذلك حيث قلتم آمنا { والله يعلم ما في السماوات وما في الأرض } فكيف يخفى عليه بطلان ما تدعونه من الإيمان ؟ { والله بكل شيء عليم } لا يخفى عليه من ذلك خفية ، وقد علم ما تبطنونه من الكفر ، وتظهرونه من الإسلام لخوف الضر ، أو رجاء النفع .