اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ لَمۡ يَرۡتَابُواْ وَجَٰهَدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلصَّـٰدِقُونَ} (15)

قوله تعالى : { إِنَّمَا المؤمنون الذين آمَنُواْ بالله وَرَسُولِهِ } هذا إرشاد للذين قالوا آمنّا ؛ بين لهم حقيقة الإيمان فقال : إنْ كُنتمْ تريدون الإيمان فالمؤمن من آمن بالله ورسوله { ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ } أي لم يشكوا في دينهم وأيقنوا بأن الإيمان إيقانٌ . و«ثُمَّ » للتراخي في الحكاية كأنه يقول : آمنوا ثم أقول شيئاً آخر لم يرتابوا .

ويحتمل أن تكون للتراخي في الفعل ، أي آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا فيما قال النبي صلى الله عليه وسلم{[52201]} من الحشر والنَّشْر { وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ الله } أي أيقنوا أن بعده هذه الدار دارٌ أخرى فجاهدوا طالبين العُقْبَى { أولئك هُمُ الصادقون } في إيمانهم .

فإن قيلأ : كيف يجوز أن يكذبوا في الإسلام ، والإسلام هو الانقياد وقد وجد منهم قولاً وفعلاً ، وإن لم يوجد اعتقاداً أو علماً ، وذلك القدر كاف في صدقهم في قولهم : إِنَّا أَسْلَمْنَا ؟ ! .

فالجواب : إن التكذيبَ يقع الى وجهين :

أحدهما : إن لا يوجد نفس المخبر عنه .

والثاني : أن لا يوجد كما أخبر في نفسك{[52202]} ، فقد يقول له : ما جئتنا بلْ جئتَ للحاجة ، فالله تعالى كذبهم في قولهم : آمنّا على الوجه الأوَّل أي ما آمنتم أصلاً ، ولم يصدقهم في الإسلام على الوجه الثاني فإنهم انقادوا للحاجة وأخذ الصدقة{[52203]} .

فصل


[52201]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[52202]:في الرازي: نفسه.
[52203]:وانظر تفسير أستاذنا الفخر الرازي 28/143 و144.