معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَٰقٍ حِسَابِيَهۡ} (20)

{ إني ظننت } علمت وأيقنت ، { أني ملاق حسابيه } أي : أحاسب في الآخرة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَٰقٍ حِسَابِيَهۡ} (20)

وبعدئذ يعرض مشهد الناجين والمعذبين ، كأنه حاضر تراه العيون . .

( فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول : هاؤم اقرأوا كتابيه ، إني ظننت أني ملاق حسابيه . . فهو في عيشة راضية . في جنة عالية . قطوفها دانية . كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية ) .

وأخذ الكتاب باليمين وبالشمال ومن وراء الظهر قد يكون حقيقة مادية ، وقد يكون تمثيلا لغويا جاريا على اصطلاحات اللغة العربية من تعبيرهم عن وجهة الخير باليمين ووجهة الشر بالشمال أو من وراء الظهر . . وسواء كان هذا أو ذاك فالمدلول واحد ، وهو لا يستدعي جدلا يضيع فيه جلال الموقف !

والمشهد المعروض هو مشهد الناجي في ذلك اليوم العصيب ، وهو ينطلق في فرحة غامرة ، بين الجموع الحاشدة ، تملأ الفرحة جوانحه ، وتغلبه على لسانه ، فيهتف : هاؤم اقرؤوا كتابيه . . ثم يذكر في بهجة أنه لم يكن يصدق أنه ناج ، بل كان يتوقع أن يناقش الحساب . . " ومن نوقش الحساب عذب " كما جاء في الأثر : عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : " من نوقش الحساب عذب " فقلت : أليس يقول الله تعالى : ( فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا )فقال : " إنما ذلك العرض وليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك " .

وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا بشر بن مطر الواسطي ، حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا عاصم ، عن الأحول ، عن أبي عثمان ، قال : المؤمن يعطى كتابه بيمينه في ستر من الله ، فيقرأ سيئاته ، فكلما قرأ سيئة تغير لونه ، حتى يمر بحسناته فيقرؤها فيرجع إليه لونه ، ثم ينظر فإذا سيئاته قد بدلت حسنات . قال : فعند ذلك يقول : هاؤم اقرؤوا كتابيه .

وروى عن عبد الله بن حنظلة - غسيل الملائكة - قال : إن الله يوقف عبده يوم القيامة فيبدي - أي يظهر - سيئاته في ظهر صحيفته ، فيقول له : أنت عملت هذا ? فيقول : نعم أي رب ! فيقول له : إني لم أفضحك به ، وإني قد غفرت لك . فيقول عند ذلك : هاؤم اقرؤوا كتابيه . إني ظننت أني ملاق حسابيه .

وفي الصحيح من حديث ابن عمر حين سئل عن النجوى ، فقال : " سمعت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يقول : " يدني الله العبد يوم القيامة ، فيقرره بذنوبه كلها ، حتى إذا رأى أنه قد هلك قال الله تعالى : إني سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم . ثم يعطى كتاب حسناته بيمينه . وأما الكافر والمنافق فيقول الأشهاد : هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ، ألا لعنة الله على الظالمين " . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَٰقٍ حِسَابِيَهۡ} (20)

وقوله : { إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ } أي : قد كنت موقنا في الدنيا أن هذا اليوم كائن لا محالة ، كما قال : { الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ } [ البقرة : 46 ] .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَٰقٍ حِسَابِيَهۡ} (20)

وأُطلق الظن في قوله : { إني ظننت أني ملاققٍ حسابيه ، } على معنى اليقين وهو أحد معنييه ، وعن الضحاك : كل ظن في القرآن من المؤمن فهو يقين ومن الكافر فهو شك .

وحقيقة الظن : عِلم لم يتحقق ؛ إِما لأن المعلوم به لم يقع بعدُ ولم يخرج إلى عالم الحس ، وإِما لأن علم صاحبه مخلوط بشك . وبهذا يكون إطلاق الظن على المعلوم المتيقن إطلاقاً حقيقياً . وعلى هذا جرى الأزهري في « التهذيب » وأبو عمرو واقتصر على هذا المعنى ابن عطية .

وكلام « الكشاف » يدل على أن أصْل الظن : علم غير متيقن ولكنه قد يُجرى مُجرى العِلْم لأن الظن الغالب يقام مقام العلم في العادات والأحكام ، وقال : يقال : أظن ظناً كاليقين أن الأمر كَيت وكَيت ، فهو عنده إذا أطلق على اليقين كان مجازاً . وهذا أيضاً رأي الجوهري وابن سيده والفيروزابادي ، وأما قوله تعالى : { إن نظن إلاّ ظناً وما نحن بمستيقنين } [ الجاثية : 32 ] فلا دلالة فيه لأن تنكير { ظناً } أريد به التقليل ، وأكد ، ب ما نحن بمستيقنين فاحتمل الاحتمالين ، وقد تقدم عند قوله تعالى : { وإنا لنظنك من الكاذبين } في سورة الأعراف ( 66 ) وقوله : { وظنوا أن لا ملجأ من الله إلاّ إليه } في سورة براءة ( 118 ) .

والمعنى : إني علمت في الدنيا أني ألقى الحساب ، أي آمنت بالبعث . وهذا الخبر مستعمل كناية عن استعداده للحساب بتقديم الإِيمان والأعمال الصالحة مما كان سبب سعادته .

وجملة إني ظننت أني ملاق حسابيه } في موقع التعليل للفرح والبهجة التي دل عليها قوله : { هاؤم اقرأُوا كتابيهْ } وبذلك يكون حرف ( إنَّ ) لمجرد الاهتمام وإفادة التسبب .