ويجمل السياق حلقات القصة بعد هذا . وما كان بين موسى وفرعون وبني إسرائيل . إلى موقف الغرق والنجاة : ويقف ليسجل " لقطات " بعد هذا الموقف الأخير . وبعد الحياة :
( فوقاه الله سيئات ما مكروا ، وحاق بآل فرعون سوء العذاب . النار يعرضون عليها غدوا وعشياً ، ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ) .
وإذ يتحاجون في النار ، فيقول الضعفاء للذين استكبروا : إنا كنا لكم تبعاً ، فهل أنتم مغنون عنا نصيباً من النار ? قال الذين استكبروا : إنا كل فيها ، إن الله قد حكم بين العباد . وقال الذين في النار لخزنة جهنم : أدعوا ربكم يخفف عنا يوماً من العذاب . قالوا : أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات ? قالوا : بلى . قالوا :
( فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ) . .
لقد طويت الدنيا ، وعرضت أول صفحة بعدها . فإذا الرجل المؤمن الذي قال كلمة الحق ومضى ، قد وقاه الله سيئات مكر فرعون وملئه ، فلم يصبه من آثارها شيء في الدنيا ، ولا فيما بعدها أيضاً . بينما حاق بآل فرعون سوء العذاب :
وقوله : فَوَقاهُ اللّهُ سَيّئاتِ ما مَكَرُوا يقول تعالى ذكره : فدفع الله عن هذا المؤمن من آل فرعون بإيمانه وتصديق رسوله موسى ، مكروه ما كان فرعون ينال به أهل الخلاف عليه من العذاب والبلاء ، فنجاه منه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : سَيّئات ما مَكَرُوا قال : وكان قبطيا من قوم فرعون ، فنجا مع موسى ، قال : وذكر لنا أنه بين يدي موسى يومئذ يسير ويقول : أين أمرت يا نبيّ الله ؟ فيقول : أمامك ، فيقول له المؤمن : وهل أمامي إلا البحر ؟ فيقول موسى : لا والله ما كَذَبتُ ولا كُذبتُ ، ثم يسير ساعة ويقول : أين أمرت يا نبيّ الله ؟ فيقول : أمامك ، فيقول : وهل أمامي إلا البحر ، فيقول : لا والله ما كذبت ، ولا كذبت ، حتى أتى على البحر فضربه بعصاه ، فانفلق اثني عشر طريقا ، لكل سبط طريق .
وقوله : وَحاقَ بآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ العَذابِ يقول : وحل بآل فرعون ووجب عليهم وعُني بآل فرعون في هذا الموضع تبّاعه وأهل طاعته من قومه ، كما :
حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ في قول الله : وَحاقَ بآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ العَذابِ قال : قوم فرعون .
وعُني بقوله : سُوءُ العَذَابِ : ما ساءهم من عذاب الله ، وذلك نار جهنم .
والضمير في : { وقاه } يحتمل أن يعود على موسى ، ويحتمل أن يعود على مؤمن آل فرعون ، وقال قائلو ذلك : إن ذلك المؤمن نجا مع موسى عليه السلام في البحر ، وفر في جملة من فر معه من المتبعين .
وقرأ عاصم : { فوقاه الله } بالإمالة .
{ وحاق } معناه : نزل ، وهي مستعملة في المكروه . و : { سوء العذاب } الغرق وما بعده من النار وعذابها .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{فوقاه الله سيئات ما مكروا} يعني ما أرادوا به من الشر.
{وحاق بآل فرعون سوء العذاب}: ووجب بآل القبط، وكان فرعون قبطيا، شدة العذاب يعني الغرق.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"فَوَقاهُ اللّهُ سَيّئاتِ ما مَكَرُوا" يقول تعالى ذكره: فدفع الله عن هذا المؤمن من آل فرعون بإيمانه وتصديق رسوله موسى، مكروه ما كان فرعون ينال به أهل الخلاف عليه من العذاب والبلاء، فنجاه منه...
وقوله: "وَحاقَ بآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ العَذابِ "يقول: وحل بآل فرعون ووجب عليهم وعُني بآل فرعون في هذا الموضع تبّاعه وأهل طاعته من قومه...
وعُني بقوله: "سُوءُ العَذَابِ": ما ساءهم من عذاب الله، وذلك نار جهنم.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا} دل هذا على أنهم قصدوا قصد المكر به حين أخبر أنه وقاه سيئات ما مكروا، فجائز أنهم همّوا بقتله، ويحتمل غيره.
ثم يحتمل ما وقاه من مكرهم بما وقى موسى عليه السلام فأهلكهم، وأنجاه من شرهم، ويحتمل وجها آخر، لا نفسّره لأنا لا نحتاج إليه، وإنما حاجاتنا إلى أن نعلم أن كل من بذل نفسه لله تعالى ووكل أمره إليه، وقاه الله تعالى وحفظه...
اعلم أنه تعالى لما بين أن ذلك الرجل لم يقصر في تقرير الدين الحق، وفي الذب عنه فالله تعالى رد عنه كيد الكافرين وقصد القاصدين.
{فوقاه الله سيئات ما مكروا} يدل على أنه لما صرح بتقرير الحق فقد قصدوه بنوع من أنواع السوء، وقيل المراد بقوله {فوقاه الله سيئات ما مكروا} أنهم قصدوا إدخاله في الكفر وصرفه عن الإسلام {فوقاه الله} عن ذلك. إلا أن الأول أولى؛ لأن قوله بعد ذلك {وحاق بآل فرعون سوء العذاب} لا يليق إلا بالوجه الأول.
{وحاق بآل فرعون سوء العذاب} قيل المراد منه النار المذكورة في قوله {النار يعرضون عليها} قال الزجاج {النار} بدل من قوله {سوء العذاب} قال: وجائز أيضا أن تكون مرتفعة على إضمار تفسير {سوء العذاب} كأن قائلا قال: ما سوء العذاب؟ فقيل: {النار يعرضون عليها}...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما كان المكر السيء لا يحيق إلا بأهله قال: {وحاق} أي نزل محيطاً بعد إحاطة الإغراق {بآل فرعون} أي كلهم فرعون وأتباعه؛ لأجل إصرارهم على الكفر ومكرهم فالإحاطة بفرعون من باب الأولى وإن لم نقل: أن الآل مشترك بين الشخص والأتباع؛ لأن العادة جرت أنه لا يوصل إلى جميع أتباع الإنسان إلا بعد إذلاله وأخذه فهو مفهوم موافقة.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.