معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ يُدۡخِلُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ يُحَلَّوۡنَ فِيهَا مِنۡ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٖ وَلُؤۡلُؤٗاۖ وَلِبَاسُهُمۡ فِيهَا حَرِيرٞ} (23)

قوله تعالى : { إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب } جمع سوار { ولؤلؤاً } قرأ أهل المدينة وعاصم ( ( ولؤلؤاً ) ) هاهنا وفي سورة الملائكة بالنصب وافق يعقوب هاهنا على معنى ويحلون لؤلؤاً ، ولأنها مكتوبة في المصاحف بالألف ، وقرأ الآخرون : بالخفض عطفاً على قوله : ( ( من ذهب ) ) ، وترك الهمزة الأولى في كل القرآن أبو جعفر وأبو بكر ، واختلفوا في وجه إثبات الألف فيه ، فقال أبو عمرو : أثبتوها فيها كما أثبتوا في : قالوا وكانوا . وقال الكسائي : أثبتوها للهمزة ، لأن الهمزة حرف من الحروف { ولباسهم فيها حرير } أي : يلبسون في الجنة ثياب الإبريسم وهو الذي حرم لبسه في الدنيا على الرجال .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا عبد الرحمن بن أبي شريح ، أنبأنا أبو القاسم البغوي ، أنبأنا علي بن الجعد ، أنبأنا شعبة ، عن قتادة ، عن داود السراج ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه الله إياه في الآخرة ، فإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه هو " .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ يُدۡخِلُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ يُحَلَّوۡنَ فِيهَا مِنۡ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٖ وَلُؤۡلُؤٗاۖ وَلِبَاسُهُمۡ فِيهَا حَرِيرٞ} (23)

ثم مشهد من مشاهد القيامة يتجلى فيه الإكرام والهوان ، في صورة واقع يشهد كأنه معروض للعيان :

هذا خصمان اختصموا في ربهم . فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار ، يصب من فوق رؤوسهم الحميم ، يصهر به ما في بطونهم والجلود ؛ ولهم مقامع من حديد ، كلما أرادوا أن يخرجوا منها - من غم - أعيدوا فيها . وذوقوا عذاب الحريق . إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار ، يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير .

إنه مشهد عنيف صاخب ، حافل بالحركة ، مطول بالتخييل الذي يبعثه في النفس نسق التعبير . فلا يكاد الخيال ينتهي من تتبعه في تجدده . .

هذه ثياب من النار تقطع وتفصل ! وهذا حميم ساخن يصب من فوق الرؤوس ، يصهر به ما في البطون والجلود عند صبه على الرؤوس ! وهذه سياط من حديد أحمته النار . . وهذا هو العذاب يشتد ، ويتجاوز الطاقة ، فيهب ( الذين كفروا )من الوهج والحميم والضرب الأليم يهمون بالخروج من هذا( الغم )وها هم أولاء يردون بعنف ، ويسمعون التأنيب : ( وذوقوا عذاب الحريق ) . .

ويظل الخيال يكرر هذه المشاهد من أولى حلقاتها إلى أخراها ، حتى يصل إلى حلقة محاولة الخروج والرد العنيف ، ليبدأ في العرض من جديد !

ولا يبارح الخيال هذا المشهد العنيف المتجدد إلا أن يلتفت إلى الجانب الآخر ، الذي يستطرد السياق إلى عرضه . فأصل الموضوع أن هناك خصمين اختصموا في ربهم . فأما الذين كفروا به فقد كنا نشهد مصيرهم المفجع منذ لحظة ! وأما الذين آمنوا فهم هنالك في الجنات تجري من تحتها الأنهار . وملابسهم لم تقطع من النار ، إنما فصلت من الحرير . ولهم فوقها حلى من الذهب واللؤلؤ . وقد هداهم الله إلى الطيب من القول ، وهداهم إلى صراط الحميد . فلا مشقة حتى في القول أو في الطريق . . والهداية إلى الطيب من القول ، والهداية إلى صراط الحميد نعمة تذكر في مشهد النعيم . نعمة الطمأنينة واليسر والتوفيق .

وتلك عاقبة الخصام في الله . فهذا فريق وذلك فريق . . فليتدبر تلك العاقبة من لا تكفيه الآيات البينات ، ومن يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ يُدۡخِلُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ يُحَلَّوۡنَ فِيهَا مِنۡ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٖ وَلُؤۡلُؤٗاۖ وَلِبَاسُهُمۡ فِيهَا حَرِيرٞ} (23)

لما أخبر تعالى عن حال أهل النار ، عياذًا بالله من حالهم ، وما هم فيه من العذاب والنَّكال والحريق والأغلال ، وما أعد لهم من الثياب من النار ، ذكر حال أهل الجنة - نسأل الله من فضله وكرمه أن يدخلنا الجنة - فقال : { إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ } أي : تتخَرّق في أكنافها وأرجائها وجوانبها ، وتحت أشجارها وقصورها ، يصرفونها حيث شاءوا وأين شاءوا ، { يُحَلَّوْنَ فِيهَا } من الحلية ، { يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا } أي : في أيديهم ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه : " تبلغ الحِلْيَة من المؤمن حيث يبلغ الوُضُوء " {[20097]} .

وقال كعب الأحبار : إن في الجنة ملكًا لو شئت أن أسميه لسميتُه ، يصوغ لأهل الجنة الحلي منذ خلقه الله إلى يوم القيامة ، لو أبرز قُلْب منها - أي : سوار منها - لرد شعاع الشمس ، كما ترد{[20098]} الشمس نور القمر .

وقوله : { وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } : في مقابلة ثياب أهل النار التي فصلت لهم ، لباس هؤلاء من الحرير ، إستبرقه وسُنْدُسه ، كما قال : { عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا . إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا } [ الإنسان : 21 ، 22 ] ، وفي الصحيح : " لا تلبسوا الحرير ولا الديباج في الدنيا ، فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة " {[20099]} .

قال عبد الله بن الزبير : ومن لم يلبس الحرير في الآخرة ، لم يدخل الجنة ، قال الله تعالى : { وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ }


[20097]:- رواه مسلم في صحيحه برقم (246) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[20098]:- في ف : "يرد".
[20099]:- الحديث في صحيح البخاري برقم (5426) وصحيح مسلم برقم (2067) من حديث حذيفة رضي الله عنه.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ يُدۡخِلُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ يُحَلَّوۡنَ فِيهَا مِنۡ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٖ وَلُؤۡلُؤٗاۖ وَلِبَاسُهُمۡ فِيهَا حَرِيرٞ} (23)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ اللّهَ يُدْخِلُ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ يُحَلّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ * وَهُدُوَاْ إِلَى الطّيّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوَاْ إِلَىَ صِرَاطِ الْحَمِيدِ } .

يقول تعالى ذكره : وأما الذين آمنوا بالله بالله ورسوله فأطاعوهما بما أمرهم الله به من صالح الأعمال ، فإن الله يُدخلهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار ، فيحلّيهم فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : وَلُؤْلُؤا فقرأته عامة قرّاء أهل المدينة وبعض أهل الكوفة نصبا مع التي في الملائكة ، بمعنى : يحلون فيها أساور من ذهب ولؤلؤا ، عطفا باللؤلؤ على موضع الأساور لأن الأساور وإن كانت مخفوضة من أجل دخول «مِنْ » فيها ، فإنها بمعنى النصب قالوا : وهي تعدّ في خط المصحف بالألف ، فذلك دليل على صحة القراءة بالنصب فيه . وقرأت ذلك عامة قرّاء العراق والمصرين : «وَلُؤْلُؤٍ » خفضا عطفا على إعراب الأساور الظاهر .

واختلف الذي قرءوا ذلك كذلك في وجه إثبات الألف فيه ، فكان أبو عمرو بن العلاء فيما ذكر لي عنه يقول : أثبتت فيه كما أثبتت في «قالوا » و «كالوا » . وكان الكسائي يقول : أثبتوها فيه للهمزة ، لأن الهمزة حرف من الحروف .

والقول في ذلك عندي أنهما قراءتان مشهورتان قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرّاء ، متفقتا المعنى صحيحتا المخرج في العربية فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب .

وقوله : وَلِباسُهُمْ فيها حَرِيرٌ يقول : ولبوسهم التي تلي أبشارهم فيها ثياب حرير .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ يُدۡخِلُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ يُحَلَّوۡنَ فِيهَا مِنۡ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٖ وَلُؤۡلُؤٗاۖ وَلِبَاسُهُمۡ فِيهَا حَرِيرٞ} (23)

هذه الآية معادلة لقوله : { فالذين كفروا } [ الحج : 19 ] وقرأ الجمهور «يُحلون » بضم الياء وشد اللام من الحلي ، وقرأ ابن عباس «يَحلَون » بفتح الياء واللام وتخفيفها ، يقال حلي الرجال وحليت المرأة إذا صارت ذات حلي وقيل هي من قولهم لم يحل فلان بطائل{[8335]} ، و { من } في قوله { من أساور } هي لبيان الجنس ويحتمل أن تكون للتبعيض ، و «الأساور » جمع سوار وإسوار بكسر الهمزة ، وقيل { أساور } جمع أسورة وأسورة جمع سوار ، وقرأ ابن عباس من «أسورة من ذهب » ، و «اللؤلؤ » الجوهر وقيل صغاره وقيل كباره والأشهر أنه اسم للجوهر ، وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر{[8336]} «ولؤلؤاً » بالنصب عطفاً على موضع الأساور لأن التقدير يحلون أساور ، وهي قراءة الحسن والجحدري وسلام ويعقوب والأعرج وأبي جعفر وعيسى بن عمر ، وحمل أبو الفتح نصبه على إضمار فعل ، وقرأ الباقون من السبعة و «لؤلؤٍ » بالخفض عطفاً إما على لفظ الأساور ويكون اللؤلؤ في غير الأساور ، وإما على الذهب لأن الأساور أيضاً تكون «من ذهب » و «لؤلؤ » قد جمع بعضه إلى بعض ، ورويت هذه القراءة عن الحسن بن أبي الحسن وطلحة وابن وثاب والأعمش وأهل مكة ، وثبتت في الإمام ألف بعد الواو قاله الجحدري ، وقال الأصمعي : ليس فيها ألف ، وروى يحيى عن أبي بكر عن عاصم همز الواو الثانية دون الأولى ، وروى المعلى بن منصور عن أبي عن عاصم ضد ذلك ، قال أبو علي : همزهما وتخفيفهما وهمز إحداهما دون الأخرى جائز كله ، وقرأ ابن عباس «ولئلئاً » بكسر اللامين ، وأخبر عنهم بلباس الحرير لأنها من أكمل حالات الآخرة ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم «من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة »{[8337]} وقال ابن عباس : لا تشبه أمور الآخرة أمور الدنيا إلا في الأسماء فقط وإما الصفات فمتباينة .


[8335]:أي لم يظفر بطائل، فكأنه جعل ما يحلون به هناك أمرا ظفروا به.
[8336]:الثابت في المصحف أن رواية حفص عن عاصم بالنصب أيضا، فلا معنى لهذا التخصيص، ولهذا لم يذكره أحد من المفسرين.
[8337]:أخرجه البخاري ومسلم عن عمر رضي الله عنه. وأخرج النسائي والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة، ومن شرب الخمر في الدنيا لم يشربه في الآخرة، ومن شرب في آنية الذهب والفضة لم يشرب في الآخرة)، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لباس أهل الجنة وشراب أهل الجنة وآنية أهل الجنة)، وأخرج النسائي والحاكم وابن حبان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة، وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه).(الدر المنثور).