فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِنَّ ٱللَّهَ يُدۡخِلُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ يُحَلَّوۡنَ فِيهَا مِنۡ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٖ وَلُؤۡلُؤٗاۖ وَلِبَاسُهُمۡ فِيهَا حَرِيرٞ} (23)

وقال في الخصم الآخر وهم المؤمنون : { إِنَّ الله يُدْخِلُ الذين آمَنُوا وَعَمِلُوا الصالحات جنات تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار } فبيّن سبحانه حال المؤمنين بعد بيانه لحال الكافرين . ثم بيّن الله سبحانه بعض ما أعده لهم من النعيم بعد دخولهم الجنة فقال : { يُحَلَّونَ فِيهَا } قرأ الجمهور { يحلّون } بالتشديد والبناء للمفعول ، وقرئ مخففاً ، أي يحليهم الله أو الملائكة بأمره . و«من » في قوله : { مِنْ أَسَاوِرَ } للتبعيض ، أي يحلون بعض أساور ، أو للبيان ، أو زائدة ، و«من » في { مّن ذَهَبٍ } للبيان ، والأساور : جمع أسورة والأسورة : جمع سوار . وفي السوار لغتان : كسر السين وضمها ، وفيه لغة ثالثة ، وهي أسوار . قرأ نافع وابن كثير وعاصم وشيبة { ولؤلؤاً } بالنصب عطف على محل { أساور } أي ويحلون لؤلؤاً ، أو بفعل مقدّر ينصبه ، وهكذا قرأ بالنصب يعقوب والجحدري وعيسى بن عمر ، وهذه القراءة هي الموافقة لرسم المصحف فإن هذا الحرف مكتوب فيه بالألف ، وقرأ الباقون بالجرّ عطفاً على { أساور } أي يحلون من أساور ومن لؤلؤ ، واللؤلؤ : ما يستخرج من البحر من جوف الصدف . قال القشيري : والمراد ترصيع السوار باللؤلؤ ، ولا يبعد أن يكون في الجنة سوار من لؤلؤ مصمت كما أن فيها أساور من ذهب { وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } أي جميع ما يلبسونه حرير كما تفيده هذه الإضافة ، ويجوز أن يراد أن هذا النوع من الملبوس الذي كان محرّماً عليهم في الدنيا حلال لهم في الآخرة ، وأنه من جملة ما يلبسونه فيها ، ففيها ما تشتهيه الأنفس ، وكل واحد منهم يعطى ما تشتهيه نفسه وينال ما يريده .

/خ24