قوله : «يُحَلَّوْنَ » العامة على ضم الياء وفتح اللام مشددة من حلاه يُحَلِّيه إذا ألبسه الحليّ{[30643]} . وقرئ بسكون الحاء وفتح اللام مخففة{[30644]} ، وهو بمعنى الأول كأنهم عدوه تارة بالتضعيف وتارة بالهمزة . قال أبو البقاء : من قولك : أُحْلي أي : أُلبس الحلي{[30645]} هو بمعنى المشدد .
وقرأ ابن عباس بفتح الياء وسكون الحاء وفتح اللام مخففة{[30646]} ، وفيها ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه من حَلِيَت المرأة تَحْلَى فهي حال ، وكذلك حَلِيَ الرجل فهو حال ، إذا لبسا الحلي ( أو صارا ذوي حليّ{[30647]} ){[30648]} .
الثاني : أنه من حَلِيَ بعيني كذا يحلى إذا استحسنه ، و «من » مزيدة في قوله «من أساور » قال{[30649]} : فيكون المعنى : يستحسنون فيها الأساور الملبوسة{[30650]} ولما نقل أبو حيان هذا الوجه عن أبي الفضل الرازي قال : وهذا ليس بجيد ، لأنه جعل حلي{[30651]} فعلاً متعدياً ، ولذلك حكم بزيادة ( من ) في الواجب ، وليس مذهب البصريين{[30652]} ، وينبغي على هذا التقدير أن لا يجوز ، لأنه لا يحفظ بهذا المعنى إلا لازماً ، فإن كان بهذا المعنى كانت «من » للسبب ، أي بلباس أساور الذهب يُحَلّون بعين من رآهم أي يحلى بعضهم بعين بعض {[30653]} .
وهذا الذي نقله عن أبي الفضل قاله أبو البقاء ، وجوز في مفعول الفعل وجهاً آخر فقال : ويجوز أن يكون من حلي بعيني كذا إذا حسن ، وتكون «من » مزيدة ، أو يكون المفعول محذوفاً و «مِنْ أَسَاوِرَ » نعت له{[30654]} . فقد حكم عليه بالتعدي ليس إلا ، وجوز في المفعول الوجهين المذكورين{[30655]} .
والثالث : أنه من حلي بكذا إذا ظفر به ، فيكون التقدير : يُحَلَّوْنَ بأساور ، و «من » بمعنى الباء{[30656]} ، ومن مجيء حلي بمعنى ظفر قولهم : لم يَحْلَ فلان بطائل أي : لم يظفر به{[30657]} .
واعلم أن حلي بمعنى لبس الحلي{[30658]} أو بمعنى ظفر من مادة الياء لأنها من الحلية وأما{[30659]} حلي بعيني كذا ، فإنه من مادة الواو ؛ لأنه من الحلاوة ، وإنما قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها {[30660]} .
قوله : { مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ } . في من الأولى ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها زائدة كما تقدم تقريره عن الرازي وأبي البقاء ، وإن لم يكن من أصول البصريين{[30661]} .
الثاني : أنها للتبعيض أي : بعض أساور .
الثالث : أنها لبيان الجنس قاله ابن عطية ، وبه بدأ{[30662]} وفيه نظر ، إذ لم يتقدم شيء مبهم{[30663]} وفي «مِنْ ذَهَبٍ » لابتداء الغاية ، وهي نعت لأساور{[30664]} . كما تقدم .
وقرأ ابن عباس «مِنْ أسور » دون ألف ولا هاء{[30665]} ، وهو محذوف من «أساور » كما قالوا : جندل والأصل جنادل . قال أبو حيان : وكان قياسه صرفه ، لأنه نقص بناؤه فصار كجندل لكنه قدر المحذوف موجوداً فمنعه الصرف{[30666]} . قال شهاب الدين : فقد جعل التنوين في جندل المقصور من جنادل تنوين صرف{[30667]} ، وقد نصَّ بعض النحاة على أنه تنوين عوض{[30668]} ، كهو في جوارٍ وغواشٍ وبابهما{[30669]} والأساور جمع سوار .
قوله : «ولُؤْلُؤاً »{[30670]} قرأ نافع وعاصم بالنصب ، والباقون بالخفض{[30671]} . فأما النصب ففيه أربعة أوجه :
أحدها : أنه منصوب بإضمار فعل تقديره : ويؤتون لؤلؤاً ، ولم يذكر الزمخشري غيره{[30672]} ، وكذا أبو الفتح حمله على إضمار فعل{[30673]} .
الثاني : أنه منصوب نسقاً على موضع «مِنْ أَسَاوِرَ » وهذا كتخريجهم «وَأَرْجُلَكُم » بالنصب عطفاً على محل «برؤوسكم »{[30674]} ، ولأن { يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ } في قوة : يلبسون أساور ، فحمل هذا عليه {[30675]} .
الثالث : أنه عطف على «أَسَاوِرَ » ، لأن «من » مزيدة فيها كما تقدم .
الرابع : أنه معطوف على ذلك المفعول المحذوف ، التقدير يحلون فيها الملبوس من أساور ولؤلؤاً ف «لُؤلُؤاً »{[30676]} عطف على الملبوس .
أحدهما : عطفه على «أَسَاوِر »{[30677]} .
والثاني : عطفه على «مِنْ ذَهَب » ، ( لأنَّ السوار يتخذ من اللؤلؤ أيضاً بنظم بعضه إلى بعض{[30678]} . فقد منع أبو البقاء أن يعطف على «ذَهَب »{[30679]} ) . قال : لأنَّ السوار لا يكون من اللؤلؤ في العادة{[30680]} . قال شهاب الدين : بل قد يتخذ منه في العادة السوار {[30681]} .
واختلف الناس في رسم هذه اللفظة في الإمام فنقل الأصمعي أنها في الإمام «لؤلؤ » بغير ألف بعد الواو{[30682]} . ونقل الجحدري أنها ثابتة في الإمام بعد الواو{[30683]} وهذا الخلاف بعينه قراءة وتوجيهاً جارٍ{[30684]} في حرف فاطر أيضاً{[30685]} . وقرأ أبو بكر في رواية المعلى{[30686]} بن منصور{[30687]} عنه «لؤلؤاً » بهمزة أولا وواو آخرا وفي رواية يحيى عنه عكس ذلك{[30688]} .
وقرأ الفياض{[30689]} " ولوليا " بواو أولاً وياء آخراً{[30690]} ، والأصل «لؤلؤاً » أبدل الهمزتين واوين ، فبقي في آخر الاسم واو بعد ضمة ، ففعل فيها ما فعل بأدل جمع دلو بأن قلبت الواو ياء والضمة كسرة {[30691]} .
وقرأ ابن عباس «وَليلياً » بياءين فعل ما فعل الفياض ثم أتبع الواو الأولى للثانية{[30692]} في القلب{[30693]} وقرأ طلحة «وَلُولٍ »{[30694]} بالجرِ عطفاً على المجرور قبله{[30695]} ، وقد تقدم{[30696]} ، والأصل وَلُولُو{[30697]} بواوين ثم أعل إعلال أَدْلٍ{[30698]} . واللؤلؤ قيل : كبار الجوهر ، وقيل : صغاره {[30699]} .
قوله : { وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } أي أنهم يلبسون في الجنة ثياب الإبريسم والمعنى أنه تعالى يوصلهم في الآخرة إلى ما حرمه عليهم{[30700]} في الدنيا . قال عليه السلام{[30701]} «مَنْ لَبِسَ الحَرِيرَ في الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ في الآخرة ، فإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه » {[30702]} .