البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{إِنَّ ٱللَّهَ يُدۡخِلُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ يُحَلَّوۡنَ فِيهَا مِنۡ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٖ وَلُؤۡلُؤٗاۖ وَلِبَاسُهُمۡ فِيهَا حَرِيرٞ} (23)

ولما ذكر تعالى ما أعد لأحد الخصمين من العذاب ذكر ما أعد من الثواب للخصم الآخر .

اللؤلؤ : الجوهر . وقيل : صغاره وكباره .

وقرأ الجمهور { يُحلونْ } بضم الياء وفتح الحاء وتشديد الللام .

وقرىء بضم الياء والتخفيف .

وهو بمعنى المشدد .

وقرأ ابن عباس { يحلون } بفتح الياء واللام وسكون الحاء من قولهم : حلى الرجل وحليت المرأة إذا صارت ذات حلي والمرأة ذات حلي والمرأة حال .

وقال أبو الفضل الرازي : يجوز أن يكون من حَلي يعيني يحلى إذا استحسنته ، قال فتكون { من } زائدة فيكون المعنى يستحسنون فيها الأساورة الملبوسة انتهى .

وهذا ليس بجيد لأنه جعل حلى فعلاً متعدياً ولذلك حكم بزيادة { من } في الواجب وليس مذهب البصريين ، وينبغي على هذا التقدير أن لا يجوز لأنه لا يحفظ لازماً فإن كان بهذا المعنى كانت { من } للسبب أي بلباس أساور الذهب يحلون بعين من يراهم أي يحلى بعضهم بعين بعض .

قال أبو الفضل الرازي : ويجوز أن تكون { من } حليت به إذا ظفرت به ، فيكون المعنى { يحلون فيها } بأساور فتكون { من } بدلاً من الباء ، والحلية من ذلك فإما إذا أخذته من حليت به فإنه الحلية ، وهو من الياء وإن أخذته من حلي بعيني فإنه من الحلاوة من الواو انتهى .

ومن معنى الظفر قولهم : لم يحل فلان بطائل ، أي لم يظفر .

والظاهر أن { من } في { من أساور } للتبعيض وفي { من ذهب } لابتداء الغاية أي أنشئت من ذهب .

وقال ابن عطية : { من } في { من أساور } لبيان الجنس ، ويحتمل أن تكون للتبعيض .

وتقدم الكلام على نظير هذه الجملة في الكهف .

وقرأ ابن عباس من أسور بفتح الراء من غير ألف ولا هاء ، وكان قياسه أن يصرفه لأنه نقص بناؤه فصار كجندل لكنه قدر المحذوف موجوداً فمنعه الصرف .

وقرأ عاصم ونافع والحسن والجحدري والأعرج وأبو جعفر وعيسى بن عمر وسلام ويعقوب { ولؤلؤاً } هنا وفي فاطر بالنصب وحمله أبو الفتح على إضمار فعل وقدره الزمخشري ويؤتون { لؤلؤاً } ومن جعل { من } في { من أساور } زائدة جاز أن يعطف { ولؤلؤاً } على موضع { أساور } وقيل يعطف على موضع { من أساور } لأنه يقدر و { يحلون } حلياً { من أساور } .

وقرأ باقي السبعة والحسن أيضاً وطلحة وابن وثاب والأعمش .

وأهل مكة ولؤلؤ بالخفض عطفاً على { أساور } أو على { ذهب } لأن السوار يكون من ذهب ولؤلؤ ، يجمع بعضه إلى بعض .

قال الجحدري : الألف ثابتة بعد الواو في الإمام .

وقال الأصمعي : ليس فيها ألف ، وروى يحيى عن أبي بكر همز الأخير وإبدال الأولى .

وروى المعلى بن منصور عنه ضد ذلك .

وقرأ الفياض : ولولياً قلب الهمزتين واواً صارت الثانية واواً قبلها ضمة ، عمل فيها ما عمل في أدل من قلب الواو ياء والضمة قبلها كسرة .

وقرأ ابن عباس وليلياً أبدل الهمزتين واوين ثم قلبهما ياءين اتبع الأولى للثانية .

وقرأ طلحة ولول مجروراً عطفاً على ما عطف عليه المهموز .