معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا} (9)

{ قد أفلح من زكاها } وهذا موضع القسم ، أي فازت وسعدت نفس زكاها الله ، أي أصلحها وطهرها من الذنوب ووفقها للطاعة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا} (9)

7

وهناك إلى جانب هذه الاستعدادات الفطرية الكامنة قوة واعية مدركة موجهة في ذات الإنسان . هي التي تناط بها التبعة . فمن استخدم هذه القوة في تزكية نفسه وتطهيرها وتنمية استعداد الخير فيها ، وتغليبه على استعداد الشر . . فقد أفلح .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا} (9)

وقوله : { فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } أي : فأرشدها إلى فجورها وتقواها ، أي : بين لها ذلك ، وهداها إلى ما قدر لها .

قال ابن عباس : { فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } بين لها الخير والشر . وكذا قال مجاهد ، وقتادة ، والضحاك ، والثوري .

وقال سعيد بن جبير : ألهمها الخير والشر . وقال ابن زيد : جعل فيها فجورها وتقواها .

وقال ابن جرير : حدثنا ابن بشار ، حدثنا صفوان بن عيسى وأبو عاصم النبيل قالا حدثنا عَزْرَة بن ثابت ، حدثني يحيى بن عقيل ، عن يحيى بن يَعْمَر ، عن أبي الأسود الدّيلي{[30130]} قال : قال لي عمران بن حصين : أرأيت ما يعمل فيه الناس ويتكادحون فيه ، أشيء قضي عليهم ومضى عليهم من قَدَر قد سبق ، أو فيما يُستَقبَلُون مما أتاهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم ، وأكدت عليهم الحجة ؟ قلت : بل شيء قضي{[30131]} عليهم . قال : فهل يكون ذلك ظلمًا ؟ قال : ففزعت منه فزعًا شديدًا ، قال : قلت له : ليس شيء إلا وهو خَلقُه وملْك يَده ، لا يسألُ عما يفعل وهم يسألون . قال : سددك الله ، إنما سألت لأخبر{[30132]} عقلك ، إن رجلا من مُزَينة - أو جهينة - أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، أرأيت ما يعمل الناس فيه ويتكادحون ، أشيء قضي عليهم ومضى عليهم من قَدر قد سبق ، أم شيء مما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم ، وأكدت به عليهم الحجة ؟ قال : " بل شيء قد قضي{[30133]} عليهم " . قال : ففيم نعمل ؟ قال : " من كان الله خلقه لإحدى المنزلتين يُهَيِّئه لها ، وتصديق ذلك في كتاب الله : { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا }

رواه أحمد ومسلم ، من حديث عَزْرَة بن ثابت به{[30134]} .

وقوله : { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } يحتمل أن يكون المعنى : قد أفلح من زكى نفسه ، أي : بطاعة الله - كما قال قتادة - وطهرها من الأخلاق الدنيئة والرذائل . ويُروَى نحوه عن مجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير . وكقوله : { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى } [ الأعلى : 14 ، 15 ] .

{ وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } أي : دسسها ، أي : أخملها ووضع منها بخذلانه إياها عن الهُدَى ، حتى ركب المعاصي وترك طاعة الله عز وجل .

وقد يحتمل أن يكون المعنى : قد أفلح من زكى الله نفسه ، وقد خاب من دَسَّى الله نفسه ، كما قال{[30135]} العوفي وعلي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي وأبو زُرْعَة قالا حدثنا سهل{[30136]} بن عثمان ، حدثنا أبو مالك - يعني عمرو بن هشام - عن جُوَيبر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في قول الله : { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا } قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أفلحت نفس زكاها الله " {[30137]} .

ورواه ابن أبي حاتم من حديث أبي مالك ، به . وجويبر [ هذا ]{[30138]} هو ابن سعيد ، متروك الحديث ، والضحاك لم يلق ابن عباس .

وقال الطبراني : حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح ، حدثنا أبي ، حدثنا ابن لَهِيعة ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مر بهذه الآية : { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } وقف ، ثم قال : " اللهم آت نفسي تقواها ، أنت وليها ومولاها ، وخير من زكاها " {[30139]} .

حديث آخر : قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زُرْعَة ، حدثنا يعقوب بن حميد المدني ، حدثنا عبد الله بن عبد الله الأموي ، حدثنا مَعْن بن محمد الغفاري ، عن حنظلة بن علي الأسلمي ، عن أبي هريرة قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ : { فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } قال : " اللهم آت نفسي تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها " {[30140]} لم يخرجوه من هذا الوجه .

وقال الإمام أحمد : حدثنا وَكِيع ، عن نافع - عن ابن عمر - عن صالح بن سُعَيد ، عن عائشة : أنها فَقَدت النبي صلى الله عليه وسلم من مضجعه ، فلمسته بيدها ، فوقعت{[30141]} عليه وهو ساجد ، وهو يقول : " رب ، أعط نفسي تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها " {[30142]} تفرد به .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا عبد الواحد بن زياد ، حدثنا عاصم الأحول ، عن عبد الله بن الحارث ، عن زيد بن أرقم قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " اللهم ، إني أعوذ بك من العجز والكَسَل والهرم ، والجُبن والبخل وعذاب القبر . اللهم ، آت نفسي تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها . اللهم ، إني أعوذ بك من قَلْب لا يخشع ، ومن نَفْس لا تشبع ، وعِلْم لا ينفع ، ودعوة لا يستجاب لها " . قال زيد : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمناهن ونحن نعلمكوهن .

رواه مسلم من حديث أبي معاوية ، عن عاصم الأحول ، عن عبد الله بن الحارث - وأبي عثمان النهدي ، عن زيد بن أرقم ، به{[30143]} .


[30130]:- (1) في أ: "الديلمي".
[30131]:- (2) في أ: "شيء قد قضي".
[30132]:- (3) في م: "إنما سألتك لأختبر".
[30133]:- (4) في م: "قضى الله".
[30134]:- (5) تفسير الطبري (30/135) والمسند (4/438) وصحيح مسلم برقم (2650).
[30135]:- (6) في م: "كما قاله".
[30136]:- (7) في أ: "سهيل".
[30137]:- (8) ورواه الديلمي في مسند الفردوس برقم (4600) من طريق جويبر به.
[30138]:- (9) زيادة من م.
[30139]:- (1) المعجم الكبير (11/106) وزاد: "عن عمرو بن دينار وعطاء بن أبي رباح" وقال الهيثمي في المجمع (7/138): "إسناد حسن".
[30140]:- (2) ورواه ابن أبي عاصم في السنة برقم (318) عن يعقوب بن حميد به.
[30141]:- (3) في م: "فوثبت".
[30142]:- (4) المسند (6/209).
[30143]:- (5) المسند (4/371) وصحيح مسلم برقم (2722).

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا} (9)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسّاهَا * كَذّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ * إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا * فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ نَاقَةَ اللّهِ وَسُقْيَاهَا * فَكَذّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدمَ عَلَيْهِمْ رَبّهُمْ بِذَنبِهِمْ فَسَوّاهَا * وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا } .

قوله : قَدْ أفْلَحَ مَنْ زَكّاها يقول : قد أفلح من زكّى اللّهُ نفسه ، فكّثر تطهيرها من الكفر والمعاصي ، وأصلحها بالصالحات من الأعمال . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس قَدْ أفْلَحَ مَنْ زَكّاها يقول : قد أفلح من زكّى اللّهُ نفسَه .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مَهْران ، عن سفيان ، عن خَصِيف ، عن مجاهد وسعيد بن جُبير وعكرِمة : قَدْ أفْلَحَ مَنْ زَكّاها قالوا : من أصلحها .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن خصيف ، عن مجاهد وسعيد بن جُبير ، ولم يذكر عكرِمة .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قَدْ أفْلَحَ مَنْ زَكّاها من عمل خيرا زكّاها بطاعة الله .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة قَدْ أفْلَحَ مَنْ زَكّاها قال : قد أفلح من زكّى نفسَه بعمل صالح .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : قَدْ أفْلَحَ مَنْ زَكّاها يقول : قد أفلح من زكى اللّهُ نفسَه . وهذا هو موضع القسم ، كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : قد وقع القسم ها هنا قَدْ أفْلَحَ مَنْ زَكّاها .

وقد ذكرتُ ما تقول أهل العربية في ذلك فيما مضى من نظائره قبلُ .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا} (9)

قد أفلح من زكاها أنماها بالعلم والعمل جواب القسم وحذف اللام للطول كأنه لما أراد به الحث على تكميل النفس والمبالغة فيه أقسم عليه بما يدلهم على العلم بوجود الصانع ووجوب ذاته وكمال صفاته الذي هو أقصى درجات القوة النظرية ويذكرهم عظائم آلائه ليحملهم على الاستغراق في شكر نعمائه الذي هو منتهى كمالات القوة العملية وقيل هو استطراد بذكر بعض أحوال النفس والجواب محذوف تقديره ليدمدمن الله على كفار مكة لتكذيبهم رسول صلى الله عليه وسلم كما دمدم على ثمود لتكذيبهم صالحا عليه الصلاة والسلام .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا} (9)

وجواب القسم في قوله { قد أفلح } ، التقدير : لقد أفلح ، والفاعل ب «زكى » يحتمل أن يكون الله تعالى ، وقاله ابن عباس وغيره كأنه قال : قد أفلحت الفرقة أو الطائفة التي زكاها الله تعالى ، و { من } : تقع على جمع وإفراد ، ويحتمل أن يكون الفاعل ب «زكى » الإنسان ، وعليه تقع { من } وقاله الحسن وغيره ، كأنه قال : { قد أفلح } من زكى نفسه أي اكتسب الزكاء الذي قد خلقه الله ، و { زكاها } معناه : طهرها ونماها بالخيرات