قوله تعالى : { ومن أظلم ممن ذكر } وعظ { بآيات ربه فأعرض عنها } ، تولى عنها وتركها ولم يؤمن بها ، { ونسي ما قدمت يداه } أي : ما عمل من المعاصي من قبل ، { إنا جعلنا على قلوبهم أكنةً } أغطية { أن يفقهوه } أي : يفهموه يريد لئلا يفهموه ، { وفي آذانهم وقراً } أي : صمماً وثقلاً { وإن تدعهم } يا محمد { إلى الهدى } إلى الدين { فلن يهتدوا إذاً أبداً } وهذا في أقوام علم الله منهم أنهم لا يؤمنون .
( ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه . إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا ، وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذن أبدا . . )
فهؤلاء الذين يستهزئون بآيات الله ونذره لا يرجى منهم أن يفقهوا هذا القرآن ، ولا أن ينتفعوا به . لذلك جعل الله على قلوبهم أغطية تحول دون فقهه ، وجعل في آذانهم كالصمم فلا يستمعون إليه . وقدر عليهم الضلال - بسبب استهزائهم وإعراضهم - فلن يهتدوا إذن أبدا . فللهدى قلوب متفتحة مستعدة للتلقي .
يقول تعالى : وأي عباد الله أظلم{[18298]} ممن ذكر بآيات الله{[18299]} فأعرض عنها ، أي : تناساها وأعرض عنها ، ولم يصغ{[18300]} لها ، ولا ألقى إليها بالا { وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ } أي : من الأعمال السيئة والأفعال القبيحة . { إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ } أي : قلوب هؤلاء { أَكِنَّةً } أي : أغطية وغشاوة ، { أَنْ يَفْقَهُوهُ } أي : لئلا يفهموا{[18301]} هذا القرآن والبيان ، { وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا } أي : صمم معنوي عن الرشاد ، { وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا } .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمّن ذُكّرَ بِآيِاتِ رَبّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدّمَتْ يَدَاهُ إِنّا جَعَلْنَا عَلَىَ قُلُوبِهِمْ أَكِنّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَىَ الْهُدَىَ فَلَنْ يَهْتَدُوَاْ إِذاً أَبَداً } .
يقول عزّ ذكره : وأيّ الناس أوضع للإعراض والصدّ في غير موضعهما ممن ذكره بآياته وحججه ، فدله بها على سبيل الرشاد ، وهداه بها إلى طريق النجاة ، فأعرض عن آياته وأدلته التي في استدلاله بها الوصول إلى الخلاص من الهلاك وَنَسِيَ ما قَدّمَتْ يَدَاهُ يقول : ونسي ما أسلف من الذنوب المهلكة فلم يتب ، ولم ينب كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَنَسِيَ ما قَدّمَتْ يَدَاهُ : أي نسي ما سلف من الذنوب .
وقوله : إنّا جَعَلْنا على قُلوبِهِمْ أكِنّةَ أنْ يَفْقَهُوهُ وفِي آذانِهِمْ وَقْرا يقول تعالى ذكره : إنا جعلنا على قلوب هؤلاء الذين يعرضون عن آيات الله إذا ذكروا بها أغطية لئلا يفقهوه ، لأن المعنى أن يفقهوا ما ذكروا به . وقوله : وفِي آذانِهِمْ وَقْرا يقول : في آذانهم ثقلاً لئلا يسمعوه وَإنْ تَدْعُهُمْ إلى الهُدَى يقول عزّ ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وَإنْ تَدْعُ يا مُحَمّد هؤلاء المعرضين عن آيات الله عند التذكير بها إلى الاستقامة على محجة الحقّ والإيمان بالله ، وما جئتهم به من عند ربك فَلَنْ يَهْتَدُوا إذًا أبَدًا يقول : فلن يستقيموا إذا أبدا على الحقّ ، ولن يؤمنوا بما دعوتهم إليه ، لأن الله قد طبع على قلوبهم ، وسمعهم وأبصارهم .
{ ومن أظلم ممن ذُكّر بآيات ربه } بالقرآن . { فأعرض عنها } فلم يتدبرها ولم يتذكر بها . { ونسي ما قدّمت يداه } من الكفر والمعاصي ولم يتفكر في عاقبتهما . { إنا جعلنا على قلوبهم أكنّة } تعليل لإعراضهم ونسيانهم بأنهم مطبوع على قلوبهم . { أن يفقهوه } كراهة أن يفقهوه ، وتذكير الضمير وإفراده للمعنى . { وفي آذانهم وقرا } يمنعهم أن يستمعوه حق استماعه . { وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذاً أبدا } تحقيقا ولا تقليدا لأنهم لا يفقهون ولا يسمعون وإذا كما عرفت جزاء وجواب للرسول صلى الله عليه وسلم على تقدير قوله ما لي لا أدعوهم ، فإن حرصه صلى الله عليه وسلم على إسلامهم يدل عليه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.