فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِۦ فَأَعۡرَضَ عَنۡهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتۡ يَدَاهُۚ إِنَّا جَعَلۡنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ أَكِنَّةً أَن يَفۡقَهُوهُ وَفِيٓ ءَاذَانِهِمۡ وَقۡرٗاۖ وَإِن تَدۡعُهُمۡ إِلَى ٱلۡهُدَىٰ فَلَن يَهۡتَدُوٓاْ إِذًا أَبَدٗا} (57)

{ ومن } أي لا أحد { أظلم } لنفسه { ممن ذكر } وعظ ، وقد روعي لفظ من في خمسة ضمائر هذا أولها ؛ وروعي معناها في خمسة أولها على قلوبهم { بآيات ربه } التنزيلية أو التكوينية أو مجموعهما .

{ فأعرض عنها } أي عن قبولها فتهاون بها ولم يتدبرها حق التدبير ولم يتفكر فيها حق التفكر وتركها ولم يؤمن بها ، وأتى بالفاء الدالة على التعقيب لأن ما هنا في الأحياء من الكفار فإنهم ذكروا فأعرضوا عقيب ما ذكروا ، وقاله في السجدة بثم الدالة على التراخي ، لأن ما هناك في الأموات من الكفار فإنهم ذكروا مرة بعد أخرى ثم أعرضوا بالموت فلم يؤمنوا .

{ ونسي ما قدمت يداه } من الكفر والمعاصي فلم يتب عنها . وقال قتادة : ما سلف من الذنوب الكثيرة . قيل والنسيان هنا بمعنى الترك والتشاغل والتغافل عن كفره المتقدم ، وقيل هو على حقيقته .

{ إنا جعلنا على قلوبهم أكنة } أي أغطية جمع كنان ، وفي القاموس إنه جمع كن أيضا ؛ ونصه والكن وقاء كل شيء وستره كالكنة والكنان بكسرهما والجمع أكنان وأكنة والجملة تعليل لإعراضهم ونسيانهم . قال الزجاج : أخبر الله سبحانه أن هؤلاء طبع على قلوبهم { أن يفقهوه } أي لئلا يفقهوه { و } جعلنا { في آذانهم وقرا } أي ثقلا وصمما يمنع من استماعه سماع انتفاع ، وقد تقدم تفسير هذا في الأنعام { وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا } لأن الله تعالى قد طبع على قلوبهم بسبب كفرهم ومعاصيهم .