اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِۦ فَأَعۡرَضَ عَنۡهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتۡ يَدَاهُۚ إِنَّا جَعَلۡنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ أَكِنَّةً أَن يَفۡقَهُوهُ وَفِيٓ ءَاذَانِهِمۡ وَقۡرٗاۖ وَإِن تَدۡعُهُمۡ إِلَى ٱلۡهُدَىٰ فَلَن يَهۡتَدُوٓاْ إِذًا أَبَدٗا} (57)

قوله تعالى : { وَمَنْ أظْلَمُ } الآية .

تقدم إعراب نظيرها في الأنعام ، واعلم أنَّه تعالى لمَّا حكى عن الكفَّار جدالهم بالباطل ، وصفهم بالصِّفات الموجبة للخزي والخذلان ، فقال : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيِاتِ رَبِّهِ } .

أي : لا ظلم أعظم من كفر من ترد عليه الآيات ، فيعرض عنها ، ويتركها ، ولم يؤمن بها ونسي ما قدَّمت يداه ، أي : مع إعراضه عن التأمُّل في الدلائلِ والبيِّنات يتناسى ما قدمت يداه من الأعمال المنكرة ، والمراد [ بالنِّسيان ]{[21176]} التَّشاغل والتغافل عن كفره المتقدِّم .

قوله : { إِنَّا جَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً } أي : أغطية .

قوله : { أَن يَفْقَهُوهُ } لئلاَّ يفقهوه .

قوله : { وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً } صمماً وثقلاً .

قوله : { وَإِن تَدْعُهُمْ } يا محمد { إلى الهدى } إلى الدين . قوله : { فَلَنْ يهتدوا إِذاً أَبَداً } وهذا في أقوام ، علم الله منهم أنهم لا يؤمنون .

وتقدَّم الكلام على هذه الآية في سورة الأنعام .

والعجب أنَّ قوله : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيِاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ } متمسَّكُ القدريَّة .

وقوله : { إِنَّا جَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ } متمسَّك الجبرية ، وقلما تجد آية في القرآن لأحد هذين الفريقين إلا ومعها آية للفريق الآخر ، والتجربة تكشف عن صدق هذا ، وما ذاك إلا امتحانٌ من الله ألقاه على عباده ، ليتميَّز العلماء الراسخُون عن المقلِّدين .


[21176]:في ب: من النسيان.