معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَمَا كَانَ دَعۡوَىٰهُمۡ إِذۡ جَآءَهُم بَأۡسُنَآ إِلَّآ أَن قَالُوٓاْ إِنَّا كُنَّا ظَٰلِمِينَ} (5)

قوله تعالى : { فما كان دعواهم } ، أي : قولهم ودعاؤهم ، وتضرعهم ، والدعوى تكون بمعنى الادعاء وبمعنى الدعاء ، قال سيبويه : تقول العرب : اللهم أشركنا في صالح دعوى المسلمين أي في دعائهم .

قوله تعالى : { إذ جاءهم بأسنا } ، عذابنا .

قوله تعالى : إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين } ، معناه لم يقدروا على رد العذاب ، وكان حاصل أمرهم الاعتراف بالجناية حين لا ينفع الاعتراف .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَمَا كَانَ دَعۡوَىٰهُمۡ إِذۡ جَآءَهُم بَأۡسُنَآ إِلَّآ أَن قَالُوٓاْ إِنَّا كُنَّا ظَٰلِمِينَ} (5)

ثم ما الذي حدث ؟ إنه لم يكن لهؤلاء المأخوذين في غرتهم إلا الاعتراف ! ولم يكن لهم دعوى يدعونها إلا الإقرار !

( فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا : إنا كنا ظالمين ) . .

والإنسان يدعي كل شيء إلا الاعتراف والإقرار ! ولكنهم في موقف لا يملكون أن يدعوا إلا هذه الدعوى ! ( إنا كنا ظالمين ) . . فياله من موقف مذهل رعيب مخيف ، ذلك الذي يكون أقصى المحاولة فيه هو الاعتراف بالذنب والإقرار بالشرك !

إن الظلم الذي يعنونه هنا هو الشرك . فهذا هو المدلول الغالب على هذا التعبير في القرآن . . فالشرك هو الظلم . والظلم هو الشرك . وهل أظلم ممن يشرك بربه وهو خلقه ؟ !

وبينما المشهد معروض في الدنيا ، وقد أخذ الله المكذبين ببأسه ، فاعترفوا وهم يعاينون بأس الله أنهم كانوا ظالمين ؛ وتكشف لهم الحق فعرفوه ، ولكن حيث لا تجدي معرفة ولا اعتراف ، ولا يكف بأس الله عنهم ندم ولا توبة . فإن الندم قد فات موعده ، والتوبة قد انقطعت طريقها بحلول العذاب . .

/خ25

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَمَا كَانَ دَعۡوَىٰهُمۡ إِذۡ جَآءَهُم بَأۡسُنَآ إِلَّآ أَن قَالُوٓاْ إِنَّا كُنَّا ظَٰلِمِينَ} (5)

وقوله : { فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } أي : فما كان قولهم عند مجيء العذاب إلا أن اعترفوا بذنوبهم ، وأنهم حقيقون بهذا . كما قال تعالى : { وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً [ وَأَنْشَأَْ بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ . قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا ] خَامِدِين }{[11549]} [ الأنبياء : 11 - 15 ] .

وقال ابن جرير : في هذه الآية الدلالة الواضحة على صحة ما جاءت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : " ما هلك قوم حتى يُعْذِروا من أنفسهم " ، حدثنا بذلك ابن حُمَيْد ، حدثنا جرير ، عن أبي سِنان ، عن عبد الملك بن مَيْسَرة الزرّاد قال : قال عبد الله بن مسعود [ رضي الله عنه ]{[11550]} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما هلك قوم حتى يُعْذِروا من أنفسهم " . قال : قلت لعبد الملك : كيف يكون ذاك ؟ قال : فقرأ هذه الآية : { فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ }{[11551]} .


[11549]:زيادة من ك، د، أ، وفي هـ "إلى قوله".
[11550]:زيادة من أ.
[11551]:تفسير الطبري (12/304).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَمَا كَانَ دَعۡوَىٰهُمۡ إِذۡ جَآءَهُم بَأۡسُنَآ إِلَّآ أَن قَالُوٓاْ إِنَّا كُنَّا ظَٰلِمِينَ} (5)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَآ إِلاّ أَن قَالُوَاْ إِنّا كُنّا ظَالِمِينَ } .

يقول تعالى ذكره : فلم يكن دعوى أهل القرية التي أهلكناها إذ جاءهم بأسنا وسطوتنا بياتا أو هم قائلون ، إلا اعترافهم على أنفسهم بأنهم كانوا إلى أنفسهم مسيئين وبربهم آثمين ولأمره ونهيه مخالفين . وعنى بقوله جلّ ثناؤه : دَعْواهُمْ في هذا الموضع دعاءهم . وللدعوى في كلام العرب وجهان : أحدهما الدعاء والاَخر الادّعاء للحقّ . ومن الدعوى التي معناها الدعاء قول الله تبارك وتعالى : فَمَا زَالَتْ تِلكَ دَعْوَاهُمْ ومنه قول الشاعر :

وَإنْ مَذِلَتْ رِجْلِي دَعَوْتُكِ أَشْتَفي ***بدَعْوَاكِ مِنْ مَذْلٍ بِها فَيَهُونُ

وقد بيّنا فيما مضى قبل أن البأس والبأساء : الشدّة ، بشواهد ذلك الدالة على صحته ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . وفي هذه الاَية الدلالة الواضحة على صحة ما جاءت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : «ما هَلَكَ قَوْمٌ حتى يُعْذِرُوا مِنْ أنْفُسِهِمْ » . وقد تأوّل ذلك كذلك بعضهم .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن أبي سنان ، عن عبد الملك بن ميسرة الزرّاد ، قال : قال عبد الله بن مسعود ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما هَلَكَ قَوْمٌ حتى يُعْذِرُوا مِنْ أنْفُسِهِمْ » قال : قلت لعبد الملك : كيف يكون ذلك ؟ قال : فقرأ هذه الاَية : فَمَا كانَ دَعْوَاهُمْ إذْ جاءَهُمْ بأسُنا . . . الاَية

فإن قال قائل : وكيف قيل : فَمَا كانَ دَعْوَاهُمْ إذْ جاءَهُمْ بأْسُنا إلاّ أنْ قالُوا إنّا كُنّا ظالِمِينَ وكيف أمكنتهم الدعوى بذلك وقد جاءهم بأس الله بالهلاك ، أقالوا ذلك قبل الهلاك ؟ فإن كانوا قالوه قبل الهلاك ، فإنهم قالوا قبل مجيء البأس ، والله يخبر عنهم أنهم قالوه حين جاءهم لا قبل ذلك ، أو قالوه بعد ما جاءهم فتلك حالة قد هلكوا فيها ، فكيف يجوز وصفهم بقيل ذلك إذا عاينوا بأس الله وحقيقة ما كانت الرسل تعدهم من سطوة الله ؟ قيل : ليس كل الأمم كان هلاكها في لحظة ليس بين أوّله وآخره مهل ، بل كان منهم من غرق بالطوفان ، فكان بين أوّل ظهور السبب الذي علموا أنهم به هالكون وبين آخره الذي عمّ جميعهم هلاكه المدّة التي لا خفاء بها على ذي عقل ومنهم من متع بالحياة بعد ظهور علامة الهلاك لأعينهم أياما ثلاثة ، كقوم صالح وأشباههم ، فحينئذٍ لما عاينوا أوائل بأس الله الذي كانت رسل الله تتوعدهم به وأيقنوا حقيقة نزول سطوة الله بهم ، دعوا : يا وَيْلَنا إنّا كُنّا ظالِمِين فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إيمانُهُمْ مع مجيء وعيد الله وحلول نقمته بساحتهم ، فحذّر ربنا جلّ ثناؤه الذين أرسل إليهم نبيه صلى الله عليه وسلم من سطوته وعقابه على كفرهم به وتكذيبهم رسوله ، ما حلّ بمن كان قبلهم من الأمم ، إذ عصوا رسله واتبعوا أمر كلّ جبار عنيد .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَمَا كَانَ دَعۡوَىٰهُمۡ إِذۡ جَآءَهُم بَأۡسُنَآ إِلَّآ أَن قَالُوٓاْ إِنَّا كُنَّا ظَٰلِمِينَ} (5)

{ فما كان دعواهم } أي دعاؤهم واستغاثتهم أو ما كانوا يدعونه من دينهم . { إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين } إلا اعترافهم بظلمهم فيما كانوا عليه وبطلانه تحسرا عليهم .