قوله تعالى : { فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ } جوَّزُوا في " دَعْواهُم " وجهين :
أحدهما : أن يكون اسْماً ل " كان " ، و { إِلاَّ أَن قالوا } خبرها ، وفيه خدشٌ من حيث إنَّ غير الأعرف جعل اسماً والأعْرَفُ جعل خبراً ، وقد تقدَّم ذلك في أوَّل الأنعام عند { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ } [ الأنعام : 23 ] .
والثاني أن يكون " دَعْوَاهُم " خبراً مقدماً و { إِلاَّ أَن قالوا } اسماً مؤخراً كقوله : { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قالوا } [ النمل : 56 ] { فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النار } [ الحشر : 17 ] ، و { مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ } [ الجاثية : 25 ] ذكر ذلك الزَّمخشريُّ{[15760]} ومكيُّ بن أبِي طالبٍ ، وسبقهما إلى ذلك الفرَّاءُ{[15761]} والزَّجَّاجُ{[15762]} ، ولكن ذلك يشكل من قاعدة أخرى ذكرها النُّحاةُ ، وهو أنَّ الاسم والخبر في هذا الباب متى خفي إعرابُهُمَا ؛ وجَبَ تَقْدِيمُ الاسمِ ، وتأخير الخبر نحو : كان موسى صاحبي ، وما كان دعائي إلاَّ أن اسْتَغْفَرْتُ ، قالوا : لأنهما كالمفعولِ والفاعلِ فمتى خَفِيَ الإعْرَابُ التزم كل في مَرْتَبَتِهِ ، وهذه الآيَةُ مما نحن فيه فكيف يُدَّعى فيها ذَلِكَ ، بل كيف يَخْتَارُهُ الزَّجَّاجُ ؟ وقد رأيتُ كلام الزَّجَّاجِ هنا فيمكن أن يُؤخَذَ منه جَوابٌ عن هذا المكانِ ، وذلك أنه قال : " إلاَّ أنَّ الاختيار إذا كانت " الدَّعْوَى " في موضع رفع أن يقول : فما كانت دَعْوَاهُم ، فَلَمَّا قال : " كَانَ دَعْوَاهُمْ " دلَّ على أن " الدَّعْوى " في موضع نصب ، غير أنه يجوز تَذْكِير الدعوى وإن كانت رفعاً ، فمن هنا يقال : تذكير الفعل فيه قرينة مرجَّحةٌ لإسنادِ الفِعْلِ إلى " أنْ قَالُوا " ، ولو كان مسنداً للدَّعْوَى لكان الأرجح " كَانَتْ " كما قال ، وهو قَرِيبٌ من قولك : " ضَرَبَتْ مُوسَى سَلْمَى " فقدمت المفعول بقرينةِ تأنِيثِ الفِعْلِ ، وأيضاً فإنَّ ثمَّ قَرينَةً أخرى ، وهي كَوْنُ الأعْرَفِ أحَقُّ أن يكون اسماً من غير الأعرف " .
والدَّعْوَى تكون بمعنى الدُّعَاءِ ، وبمعنى الادِّعَاءِ ، والمقْصُودُ بها ههنا يحتمل الأمرين جميعاً ، ويحتمل أيضاً أنْ تكونَ بمعنى الاعتراف ، فمن مَجِيئها بمعنى الدُّعَاءِ ما حَكَاهُ الخَلِيلُ : " اللَّهُمَّ أشْركْنا فِي صالح دعوى المُسلمين " يريد في صالح دُعَائِهِم ؛ وأنشدوا : [ الطويل ]
وإنْ مَذِلَتْ رِجْلِي دَعَوْتُكِ اشْتَفِي *** بِدَعْوَاكِ مِنْ مَذْلٍ بِهَا فَتَهُونُ{[15763]}
ومنه قوله تعالى : { فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ } [ الأنبياء : 15 ] وقال الزَّمخشريُّ : [ ويجوز ] : فما كان استغاثتهم لا قولهم هذا ؛ لأنه لا يستغاثُ من اللَّهِ تعالى بغيره ، من قولهم : دعواهم يا لكعب .
وقال ابنُ عطيَّة{[15764]} : وتحتملُ الآيةُ أن يكون المعنى : فما آلت دَعَاويهم التي كانت في حال كُفْرِهِمْ إلا إلى الاعتراف ؛ كقول الشاعر : [ الطويل ]
وَقدْ شَهِدَتْ قَيْسٌ فَمَا كَانَ نَصْرُهَا *** قَتَيْبَةَ إلاَّ عَضَّها بالأبَاهِمِ{[15765]}
وقوله : { إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } " كُنَّا " وخبرها في محل رفع خبر ل " إنَّ " ، وَ " إنّ " وما في حيزها{[15766]} في محل نَصْبٍ محكياً ب " قَالُوا " ، و " قَالوا " وما في حيزه لا محل له لوقوعه صلةً ل " إنَّ " ، و " أنّ " وما في حيزها في محلِّ رفع ، أو نصب على حسب ما تقدَّم من كونها اسماً ، أو خبراً .
ومعنى الآية : أنَّهُم لم يَقْدِرُوا على ردِّ العذاب ، وكان حاصل أمرهم الاعتراف بالخيانَةِ حين لا ينفع الاعتراف .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.