الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{فَمَا كَانَ دَعۡوَىٰهُمۡ إِذۡ جَآءَهُم بَأۡسُنَآ إِلَّآ أَن قَالُوٓاْ إِنَّا كُنَّا ظَٰلِمِينَ} (5)

ثم قال : { جاءهم بأسنا }[ 5 ] ، إنما معناه أردنا إهلاكها{[22920]} ، فجاءها البأس{[22921]} .

وقيل المعنى : { أهلكناها } بمعناه إياها التوفيق إلى الطاعة ، فجاءها البأس{[22922]} .

وقيل{[22923]} : إن الهلاك هو البأس بعينه ، ففي كل واحد معنى الآخر ، وسواء بدأ بالبأس أو بالهلاك{[22924]} ، وهو كقولك : " زرتني فأكرمتني " ، إذا كانت " الزيارة " هي " الكرامة " ، فسواء عليك ما قدمت أو أخرت{[22925]} .

وقيل : الفاء هنا بمعنى الواو فلا يلزم الترتيب{[22926]} .

و{ أو } هنا للإباحة{[22927]} .

وكان يجب أن يقول : أو وهم قائلون ، إلا أنه إذا كن في الجملة عائد{[22928]} لم يحتج إلى الواو{[22929]} .

وقد قال الفراء : " الواو " محذوفة{[22930]} .

وقال غيره : حذفت " الواو " لئلا تجمع{[22931]} بين حرفي العطف{[22932]} ، وهي : " واو الوقت " عند بعض النحويين{[22933]} .

ولو جعل مكان { أو } " الواو " لفسد المعنى ؛ لأنه يصير المعنى : أن البأس جاءهم في الليل ، وهم قائلون{[22934]} ، وهذا لا يمكن ؛ لأن القائلة{[22935]} إنما هي نصف النهار{[22936]} ، والبيات فعل في الليل{[22937]} .

قوله : { فما كان دعواهم [ إذ جاءهم بأسنا ]{[22938]}[ 5 ] ، الآية .

المعنى : فما كان دعوى أهل القرية التي جاءها البأس إلا اعترافهم على أنفسهم بأنهم كانوا ظالمين{[22939]} .

و " الدعوى " في كلام العرب ، على وجهين{[22940]} :

تكون{[22941]} : " الدعاء{[22942]} " ، تقول{[22943]} :

" اللهم{[22944]} أشركنا في صالح دعوى من دعاك{[22945]} " ، قال الله : { فما كان دعواهم }[ 5 ] ، أي : دعاؤهم . وقال : { فمازالت تلك دعواهم{[22946]} } ، أي : دعاؤهم{[22947]} .

والوجه الآخر{[22948]} : الإدعاء للحق{[22949]} .

و{[22950]}{ دعواهم } هنا ، إنما قالوه حين عاينوا البأس ، لا قبله ولا بعده ، وذلك أن الرسل كانت تعدهم بالسطوة{[22951]} من الله وتخبرهم بأمارة ذلك وعلامته ليزدجروا{[22952]} فلما عاينوا{[22953]} علامات ما أوعدوا به ، أقروا بالظلم على أنفسهم{[22954]} .


[22920]:في الأصل: هلاكها، وأثبت ما في ج، والبحر المحيط 4/269، وتفسير القرطبي7/105، والتسهيل2/29. وفي لغة بني تميم: يتعدى [هلك] بنفسه، فيقال: هلكته واستهلكته، مثل: أهلكتم. المصباح: مادة: هلك.
[22921]:مشكل إعراب القرآن 1/282، وتمام كلامه: "كما قال: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله}، النحل: آية98، أي: إذا أردت قراءة القرآن فاستعذ بالله"، والبحر المحيط 4/269، والتبيان 1/556، وتفسير القرطبي 7/105، والتسهيل 2/29، والدر المصون 3/233. وينظر التحرير والتنوير 8/20.
[22922]:انظر: جامع البيان 12/300، وتفسير الماوردي 2/200، والمحرر الوجيز 2/374، والبحر المحيط 4/269، والدر المصون 3/233.
[22923]:في ج: وقيل المعنى.
[22924]:في الأصل: والهلاك، وأثبت ما في ج.
[22925]:انظر: معاني القرآن للفراء 1/371، وجامع البيان 12/301. وكلام مكي هنا هو اختصار لمقالته، وتفسير الماوردي 2/200، وتفسير البيضاوي 3/214، والمحرر الوجيز 2/374، والبحر المحيط 4/269، وزاد المسير 3/198، وتفسير القرطبي 7/106، والدر المصون 3/233، وفتح القدير 2/188.
[22926]:في الأصل: لترتيب، وهو سهو ناسخ. وهذا قول لا معنى له،...، فصرف الفاء إلى الأغلب من معناها، (...) أولى من صرفها إلى غيره، كما في جامع البيان 12/301. ووسمه أبو حيان في البحر 4/269 والسمين في الدر 3/233، بالضعف. ونسب إلى الفراء في تفسير القرطبي 7/105، وفتح القدير 1/188، والتحرير والتنوير 8/20. والمغني 214.
[22927]:...دخلت على جهة تصرف الشيء ووقوعه، إما مرة كذا، وإما مرة كذا، فهي في الخبر هاهنا بمنزلة "أو" في الإباحة، كما في معاني الزجاج 2/318. أو: وانظر جامع البيان 12/301، 302 وحروف الزجاجي 51، والمحرر الوجيز 2/374، والبحر المحيط 4/269، والمغني 88، والهمع 5/247، والتحرير والتنوير 8/22.
[22928]:في الأصل: عائدا، وهو خطأ ناسخ.
[22929]:هذه مقالة الزجاج في معاني القرآن وإعرابه 2/17، وهي رد على قول الفراء الآتي بعده. انظر: إعراب القرآن للنحاس 2/114، والبحر المحيط 4/269، وتفسير القرطبي 7/106، والدر المصون /233، وفتح القدير 2/188.
[22930]:معاني القرآن 1/72، بلفظ: "وقوله {أو هم قائلون} واو مضمرة. المعنى: أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا، أو وهم قائلون، فاستثقلوا نسقا على نسق، ولو قيل لكان جائزا....". وينظر: الكشاف 2/83، 84 والبحر المحيط 4/269، والدر المصون 3/233.
[22931]:عارية من النقط في ج. وأحسبها: يجمع، بياء مثناة من تحت.
[22932]:في ج: عطف. وجامع البيان12/302، 303، والكشاف2/84 والمحرر الوجيز /374، والبحر المحيط 4/269، والدر المصون 3/233، 234، وحاشية الصاوي على الجلالين 2/56.
[22933]:جامع البيان 12/303، وتفسير القرطبي7/106.
[22934]:انظر: جامع البيان 12/302.
[22935]:من قال يقيل، كباع يبيع، فألفه منقلبة عن ياء، بخلاف قال من القول، فهي منقلبة عن واو، كما في حاشية الصاوي على الجلالين 2/56.
[22936]:اللسان/قيل. وعزاه لابن سيده. وانظر: الصحاح/قيل.
[22937]:اللسان/بيت. وعزاه لابن سيده. وانظر: الصحاح بيت. وفي الكشاف2/84،: "وإنما خص هذان الوقتان، وقت البيات، ووقت القيلولة، لأنهما وقت الغفلة والدعة، فيكون نزول العذاب فيهما أشد وأفظع، وقوم لوط أهلكوا بالليل وقت السحر، وقوم شعيب وقت القيلولة". نعوذ بالله من غضب الله.
[22938]:من ج.
[22939]:في الأصل: ظالمون، وهو خطأ ناسخ.
[22940]:جامع البيان 12/303، وتفسير الثعالبي2/6.
[22941]:في ج: يكون.
[22942]:جامع البيان 12/303، ومعاني القرآن للزجاج /318، وتفسير البيضاوي 3/214، والمحرر الوجيز 2/374، وزاد المسير 3/168 وتفسير القرطبي 7/106، والبحر المحيط 4/270، وتفسير الثعالبي 2/6. وانظر: اللسان دعا.
[22943]:في ج: يقال.
[22944]:في الأصل: إليهم، وهو تحريف.
[22945]:تفسير القرطبي 7/106. وورد في الكتاب 4/40، بلفظ: "وقال بعض العرب: اللهم أشركنا في دعوى المسلمين"، وهو منسوب للخليل في المحرر الوجيز 2/374، والبحر المحيط 4/270.
[22946]:الأنبياء: آية 15 وتمامها: {حتى جعلناهم حصيدا خامدين}.
[22947]:انظر: جامع البيان 12/303، 304.
[22948]:في الأصل: الأخرى، وهو تحريف.
[22949]:جامع البيان 12/303، وورد بدون كلمة: للحق، في تفسير البيضاوي 3/214، والمحرر الوجيز 2/374، وزاد المسير 3/168، وتفسير القرطبي 7/106، وتفسير الثعالبي 2/6.
[22950]:في ج: ف.
[22951]:في الأصل: "بالسوط"، وهو تحريف.
[22952]:في الأصل: ليزدجروا، وهو تحريف.
[22953]:في ج: رأوا. ووردت في جامع البيان 12/305، بلفظ الأصل.
[22954]:انظر: جامع البيان 12/305، بتصرف. وفيه: "وفي هذه الآية الدلالة الواضحة على صحة ما جاءت به الراوية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، من قوله: "ما هلك قوم حتى يعذروا من أنفسهم". يقال: "أعذر فلان من نفسه إذا أمكن منها، يعني أنهم لا يهلكون حتى تكثر ذنوبهم وعيوبهم فيستوجبون العقوبة، ويكون لمن يعذبهم عذر. ويروى بفتح الياء، من عذرته وهو بمعناه، كما في النهاية في غريب الحديث 3/197.