معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَرَءَيۡتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَٰهَهُۥ هَوَىٰهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيۡهِ وَكِيلًا} (43)

قوله تعالى : { أرأيت من اتخذ إلهه هواه } وذلك أن الرجل من المشركين كان يعبد الحجر فإذا رأى حجراً أحسن منه طرح الأول وأخذ الآخر فعبده . وقال ابن عباس : أرأيت من ترك عبادة الله وخالقه ثم هوى حجراً فعبده ما حاله عندي { أفأنت تكون عليه وكيلاً } يعني : حافظاً ، يقول : أفأنت عليه كفيل تحفظه من اتباع هواه وعبادة ما يهوى من دون الله . أي : لست كذلك . قال الكلبي : نسختها آية القتال .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَرَءَيۡتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَٰهَهُۥ هَوَىٰهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيۡهِ وَكِيلًا} (43)

21

ويلتفت بالخطاب إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يعزيه عن عنادهم وجموحهم واستهزائهم ، فهو لم يقصر في الدعوة ، ولم يقصر في الحجة ، ولم يستحق ما لاقوه به من التطاول ، إنما العلة فيهم أنفسهم . فهم يجعلون من هواهم إلها يعبدونه ، ولا يرجعون إلى حجة أو برهان . وماذا يملك الرسول لمن يتخذ إلهه هواه :

( أرأيت من اتخذ إلهه هواه . أفأنت تكون عليه وكيلا ? ) . .

وهو تعبير عجيب يرسم نموذجا عميقا لحالة نفسية بارزة ، حين تنفلت النفس من كل المعايير الثابتة والمقاييس المعلومة ، والموازين المضبوطة ، وتخضع لهواها ، وتحكم شهواتها وتتعبد ذاتها ، فلا تخضع لميزان ، ولا تعترف بحد ، ولا تقتنع بمنطق ، متى اعترض هواها الطاغي الذي جعلت منه إلها يعبد ويطاع .

والله - سبحانه - يخاطب عبده في رفق ومودة وإيناس في أمر هذا النموذج من الناس : ( أرأيت ? )ويرسم له هذه الصورة الناطقة المعبرة عن ذلك النموذج الذي لا جدوى من المنطق معه ، ولا وزن للحجة ، ولا قيمة للحقيقة ؛ ليطيب خاطره من مرارة الإخفاق في هدايته . فهو غير قابل للهدى ، وغير صالح لأن يتوكل الرسول بأمره ، ولا أن يحفل بشأنه : ( أفأنت تكون عليه وكيلا ? ) . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَرَءَيۡتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَٰهَهُۥ هَوَىٰهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيۡهِ وَكِيلًا} (43)

{ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ } أي : مهما استحسن من شيء ورآه حسناً في هوى نفسه ، كان دينَه ومذهبَه ، كما قال تعالى : { أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ } [ فاطر : 8 ] ؛ ولهذا قال هاهنا : { أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلا } . قال ابن عباس : كان الرجل في الجاهلية يعبد الحجر الأبيض زماناً ، فإذا رأى غيره أحسن منه عبد الثاني وترك الأول .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَرَءَيۡتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَٰهَهُۥ هَوَىٰهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيۡهِ وَكِيلًا} (43)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَرَأَيْتَ مَنِ اتّخَذَ إِلََهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً * أَمْ تَحْسَبُ أَنّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاّ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلّ سَبِيلاً } .

يعني تعالى ذكره : أرَأيْتَ يا محمد مَنِ اتّخَذَ إلَههُ شهوتَه التي يهواها وذلك أن الرجل من المشركين كان يعبد الحجر ، فإذا رأى أحسن منه رمى به ، وأخذ الاَخر يعبده ، فكان معبوده وإلهه ما يتخيره لنفسه فلذلك قال جلّ ثناؤه أرأيْتَ مَنَ اتّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ ، أفأنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً يقول تعالى ذكره : أفأنت تكون يا محمد على هذا حفيظا في أفعاله مع عظيم جهله ؟ أم تَحْسبُ يا محمد أن أكثر هؤلاء المشركين يَسْمعُونَ ما يُتلى عليهم ، فيعون أوْ يَعْقِلُونَ ما يعاينون من حجج الله ، فيفهمون ؟ إنْ هُمْ إلاّ كالأَنْعامِ يقول : ما هم إلا كالبهائم التي لا تعقل ما يقال لها ، ولا تفقه ، بل هم من البهائم أضلّ سبيلاً لأن البهائم تهتدي لمراعيها ، وتنقاد لأربابها ، وهؤلاء الكفرة لا يطيعون ربهم ، ولا يشكرون نعمة من أنعم عليهم ، بل يكفرونها ، ويعصون من خلقهم وبرأهم .