اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَرَءَيۡتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَٰهَهُۥ هَوَىٰهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيۡهِ وَكِيلًا} (43)

قوله تعالى : { أَرَأَيْتَ مَنِ اتخذ إلهه هَوَاهُ } الآية . «أَرَأَيْتَ » كلمة تصلح للإعلان والسؤال ، وههنا تعجب ممن{[36259]} هذا وصفه ونعته{[36260]} .

وقوله : { مَنِ اتخذ إلهه هَوَاهُ } مفعولا الاتخاذ من غير تقديم{[36261]} ولا تأخير ، لاستوائهما في التعريف{[36262]} . وقال الزمخشري : فإن قلت : لم أخر «هَوَاهُ » والأصل قولك : اتخذ الهوى إلهاً . قلت{[36263]} : ما{[36264]} هو إلا تقديم المفعول الثاني على الأول للعناية ( به ) {[36265]} كما تقول : علمت منطلقاً زيداً لفضل عنايتك بالمنطلق{[36266]} .

قال أبو حيان : وادعاء القلب ، يعني : أن التقديم ليس بجيد ، لأنه من ضرائر الأشعار{[36267]} . قال شهاب الدين : قد تقدم فيه ثلاثة مذاهب{[36268]} ، على أن هذا ليس من القلب المذكور في شيء إنما هو تقديم وتأخير فقط{[36269]} .

وقرأ ابنُ هُرمز «إِلاَهَةً هَوَاهُ » على وزن فعالة{[36270]} ، والإِلهة بمعنى المَأْلُوه ، والهاء للمبالغة ك «عَلاَّمَة وَنسَّابة ) . و«إِلاَهَةً » مفعول ثاني قدم لكونه نكرة ولذلك صرف . وقيل : إلاهة هي الشمس ، ورد هذا بأنه{[36271]} كان ينبغي أن يمتنع{[36272]} من الصرف للعلمية والتأنيث . وأجيب بأنها يدخل عليها ( أل ){[36273]} كثيراً فلما نزعت منها صارت نكرة جارية مجرى الأوصاف . ويقال : أُلاهة بضم الهمزة للشمس{[36274]} وقرأ بعض المَدَنيِّين » آلِهَةً هَوَاهُ «جمعُ إله{[36275]} ، وهو أيضاً مفعول مقدم وجمع باعتبار الأنواع ، فقد كان الرجل يعبد آلهة شتى . ومفعول «أَرَأَيْتَ » الأول «مَنْ » والثاني الجملة الاستفهامية{[36276]} .

فصل

قال ابن عباس : الهوى إله يعبد{[36277]} . وقال سعيد بن جبير : كان الرجل من المشركين يعبد الحجر ، فإذا رأى حجراً أحسن منه طرح الأول وأخذ الآخر وعبده{[36278]} . { أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً } أي : حافظاً تحفظه من اتباع هواه ، أي لست كذلك ، ونظيره : { لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ } [ الغاشية : 22 ] { وَمَا أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ } [ ق : 45 ] { لاَ{[36279]} إِكْرَاهَ فِي الدين }{[36280]} [ البقرة : 256 ] ، قال الكلبي : نسختها آية القتال{[36281]} .


[36259]:في ب: من.
[36260]:انظر الفخر الرازي 24/86، البحر المحيط 6/105.
[36261]:في ب: تقدم.
[36262]:انظر البحر المحيط 6/105.
[36263]:قلت: سقط من ب.
[36264]:في ب: بما.
[36265]:به: ليس في الكشاف.
[36266]:الكشاف 3/98.
[36267]:عبارة أبي حيان في البحر المحيط: (وادعاه القلب ليس بجيد إذ يقدره من اتخذ هواه إلهه، والبيت من ضرائر الشعر ونادر الكلام فينزه كلام الله عنه، كان الرجل يعبد الصنم فإذا رأى أحسن منه رماه وأخذ الأحسن) 6/501. فنرى أبا حيان لم يذكر البيت الذي أشار إليه ولا أشار إلى من ذكر هذا البيت، وقوله: وادعاء القلب. تعريض بالزمخشري ولم يصرح باسمه هنا، ولم يذكر الزمخشري هنا شيئا من الشعر شاهدا على ما ذكره من التقديم والتأخير.
[36268]:في سورة الأعراف، عند قوله تعالى: {حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق} من الآية (105). وللناس فيه ثلاثة مذاهب: الجواز مطلقا، والمنع مطلقا، والتفصيل بين أن يفيد معنى بديعا فيجوز أو لا فيمتنع. انظر اللباب 4/78 – 79.
[36269]:الدر المصون 5/139.
[36270]:انظر المحتسب 2/123، البحر المحيط 6/501.
[36271]:في ب: بأن.
[36272]:في ب: تمنع.
[36273]:في ب: أن. وهو تحريف.
[36274]:انظر البحر المحيط 6/501.
[36275]:المرجع السابق.
[36276]:المرجع السابق.
[36277]:انظر الفخر الرازي 24/86.
[36278]:المرجع السابق.
[36279]:في ب: ولا. وهو تحريف.
[36280]:ق: 45.
[36281]:انظر الفخر الرازي 24/86.