الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{أَرَءَيۡتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَٰهَهُۥ هَوَىٰهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيۡهِ وَكِيلًا} (43)

قوله : { مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ } مفعولا الاتِّخاذِ مِنْ غيرِ تقديمٍ ولا تأخيرٍ لاستوائِهما في التعريفِ ، وقال الزمخشري : " فإن قلتَ : لِمَ أَخَّر " هواه " والأصلُ قولُك : اتَّخذ الهوى إلَهاً " ؟ قلت : ما هو إلاَّ تقديمُ المفعولِ الثاني على الأولِ للعنايةِ به ، كما تقولُ " عَلِمْتُ منطلقاً زيداً " لفضلِ عنايتِك بالمنطَلقِ " . قال الشيخ : " وادِّعاءُ القلبِ يعني التقديمَ ليس بجيدٍ لأنَّه من ضرائرِ الأشعارِ " . قلت : قد تقدَّم فيه ثلاثةُ مذاهبَ . على أنَّ هذا ليس من القلبِ المذكورِ في شيء ، إنما هو تقديمٌ وتأخيرٌ فقط .

وقرأ ابن هرمز " إلاهَةً هواه " على وزن فِعالة . والإَهة بمعنى : المألوه ، والهاءُ للمبالغةِ كعلاَّمَة ونسَّابة . وإلاهَةً مفعولٌ ثانٍ قُدِّم لكونِه نكرةً ، ولذلك صُرِفَ . وقيل : الإَهَةً هي الشمسُ . ورُدَّ هذا : بأنَّه كان ينبغي أن يمتنعَ من الصرفِ للعلميةِ والتأنيث . وأُجيب بأنها تدخُل عليها أل كثيراً فلمَّا نُزِعَتْ منها صارَتْ نكرةً جاريةً مَجْرى الأوصافِ . ويُقال : أُلاهَة بضمِّ الهمزةِ أيضاً اسماً للشمس .

وقرأ بعضُ المدنيين " آلهةً هواه " جمع إلَه ، وهو أيضاً مفعولٌ مقدَّمٌ ، وجمُِع باعتبارِ الأنواعِ ، فقد كان الرجلُ يعبُدُ آلهةً شَتى . ومفعولُ " أرأيتَ " الأولِ " مَنْ " ، والثاني : الجملةُ الاستفهاميةُ .