معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِهِۦ وَيُسَبِّحُونَهُۥ وَلَهُۥ يَسۡجُدُونَۤ۩} (206)

قوله تعالى : { إن الذين عند ربك } ، يعني : الملائكة المقربين بالفضل والكرامة .

قوله تعالى : { لا يستكبرون } ، لا يتكبرون .

قوله تعالى : { عن عبادته ويسبحونه } ، وينزهونه ويذكرونه ، فيقولون : سبحان الله . قوله تعالى : { وله يسجدون } . أخبرنا أحمد بن الحسن الحيري ، أنبأنا حاجب بن أحمد الطوسي ، ثنا عبد الرحيم بن منيب ، ثنا يعلى بن عبيد عن الأعمش ، عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي ، فيقول : يا ويله ، أمر هذا بالسجود فسجد فله الجنة ، وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار ) .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، ثنا أبو منصور محمد بن محمد ابن سمعان ، ثنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ، ثنا حميد بن زنجويه ، ثنا محمد بن يوسف ، ثنا الأوزاعي ، عن الوليد بن هشام ، عن معدان قال : سألت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلت : حدثني حديثاً ينفعني الله به ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ما من عبد يسجد لله سجدةً إلا رفعه الله بها درجةً ، وحط عنه بها سيئة ) .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِهِۦ وَيُسَبِّحُونَهُۥ وَلَهُۥ يَسۡجُدُونَۤ۩} (206)

199

ثم يضرب الله مثلاً بالذين عنده من الملائكة المقربين : الذين لا ينزغ في أنفسهم شيطان ، فليس له في تركيب طبيعتهم مكان ! ولا تستبد بهم نزوة ، ولا تغلبهم شهوة . ومع هذا فهم دائبون على تسبيح الله وذكره ، لا يستكبرون عن عبادته ولا يقصرون . وللإنسان أحوج منهم إلى الذكر والعبادة والتسبيح . وطريقه شاق ! وطبيعته قابلة لنزغ الشيطان ! وقابلة للغفلة المردية ! وجهده محدود . لولا هذا الزاد في الطريق الكؤود :

( إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته . ويسبحونه . وله يسجدون ) . .

إن العبادة والذكر عنصر أساسي في منهج هذا الدين . . إنه ليس منهج معرفة نظرية . وجدل لاهوتي . إنه منهج حركة واقعية لتغيير الواقع البشري . وللواقع البشري جذوره وركائزه في نفوس الناس وفي أوضاعهم سواء . وتغيير هذا الواقع الجاهلي إلى الواقع الرباني الذي يريده الله للناس وفق منهجه مسألة شاقة عسيرة ؛ تحتاج إلى جهد طويل ، وإلى صبر عميق . وطاقة صاحب الدعوة محدودة . ولا قبل له بمواجهة هذه المشقة دون زاد يستمده من ربه . إنه ليس العلم وحده ، وليست المعرفة وحدها . إنما هي العبادة لله والاستمداد منه . . هي الزاد ، وهي السند ، وهي العون ؛ في الطريق الشاق الطويل !

ومن ثم هذا التوجيه الأخير في السورة التي بدأت بقول الله سبحانه لرسوله الكريم ، ( كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه ، لتنذر به ، وذكرى للمؤمنين ) . . والتي تضمن سياقها عرض موكب الإيمان ، بقيادة الرهط الكريم من رسل الله الكرام ؛ وما يعترض طريقه من كيد الشيطان الرجيم ؛ ومن مكر شياطين الجن والإنس ؛ ومن معارضة المتجبرين في الأرض ، وحرب الطواغيت المتسلطين على رقاب العباد .

إنه زاد الطريق . وعدة الموكب الكريم في هذا الطريق . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِهِۦ وَيُسَبِّحُونَهُۥ وَلَهُۥ يَسۡجُدُونَۤ۩} (206)

وإنما ذكرهم بهذا ليتشبه بهم في كثرة طاعتهم وعبادتهم ؛ ولهذا شرع لنا السجود هاهنا لما ذكر سجودهم لله ، عز وجل ، كما جاء في الحديث : " ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها ، يتمون الصفوف الأوَل ، ويتَراصُّون في الصف " {[12600]}

وهذه أول سجدة في القرآن ، مما يشرع لتاليها ومستمعها السجود بالإجماع . وقد ورد في حديث رواه ابن ماجة ، عن أبي الدرداء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه عدها في سجدات القرآن{[12601]}

آخر [ تفسير ]{[12602]} سورة الأعراف ، ولله الحمد والمنة .


[12600]:رواه مسلم في صحيحه برقم (430) من حديث جابر بن سمرة، رضي الله عنه.
[12601]:سنن ابن ماجة برقم (1056).
[12602]:زيادة من ك، م.