اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِهِۦ وَيُسَبِّحُونَهُۥ وَلَهُۥ يَسۡجُدُونَۤ۩} (206)

قوله : { إِنَّ الذين عِندَ رَبِّكَ } يعني الملائكة المُقرَّبين : " لا يسْتكبرُونَ " لا يتكبَّرُون عن عبادته . لمّا رغَّب رسولهُ في الذِّكر ذكر عُقيبه ما يُقوِّي دواعيه فقال : { إِنَّ الذين عِندَ رَبِّكَ } أي أنَّ الملائكة مع نهاية شرفهم وغاية طهارتهم وبراءتهم من بواعثِ الشَّهوَةِ والغضب ، والحقدِ ، والحسدِ ، مُواظبُونَ على العبوديَّة والسُّجودِ ، والخُضُوعِ ، فالإنسانُ المُبتَلَى بظلمات عالم الجسمانيات ومستعداً للذات البشرية أوْلَى بالمُواظبةِ على الطَّاعةِ ، والمرادُ بالعندية القرب بالشَّرف .

واستدلُّوا بهذه الآية على أنَّ الملائكة أفضلُ من البشرِ ، لأنَّهُ تعالى لمَّا أمر رسولهُ بالعبادة والذكر قال : { إِنَّ الذين عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ } أي : فأنت أحقّ وأولَى بالعبادِة ، وهذا إنَّما يصحُّ إذا كانت الملائكةُ أفضل منه .

قوله : " ويُسَبِّحُونهُ " أي : يُنزِّهُونه ويقولون سبحان الله : " ولهُ يَسجُدُون " .

فإن قيل كيف الجمع بين هذه الآية وبين قوله : { فَسَجَدَ الملائكة كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاَّ إِبْلِيسَ } [ الحجر : 30 ، 31 ] والمراد أنهم سجدوا لآدم ؟

فالجوابُ : قال بعضُ العلماءِ : الذين سجدُوا لآدم - عليه السلامُ - ملائكة الأرض ، وأمَّا ملائكة السَّموات فلا ، وقيل : إنَّ قوله " ولهُ يسجُدُون " يفيدُ أنَّهم ما سجدُوا لغيرِ اللَّهِ بهذا العمومِ ، وقوله : فسجدُوا لآدم خاص والخاصُّ مقدمٌ على العام .

ختام السورة:

فصل

روى أبُو صالح عن أبي هريرة قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم " إذا قَرَأ ابنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فسجد اعتزلَ الشيطان يبكي يقول يا ويلهُ ! أمر ابنُ آدمَ بالسجُودِ فسجد فلهُ الجنَّةُ وأمِرْتُ بالسُّجود فعصيْت فلِيَ النَّارُ " {[1]}

وعن معدان قال : " سألتُ ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت : حَدِّثني حديثاً ينفعني اللَّهُ به .

قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْجُدُ لِلَّهِ سجدةً إلاَّ رفعهُ اللَّهُ بها درجةً وحطَّ عنهُ بها خطيئةً " {[2]}

وروي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مَنْ قَرَأ سُورة الأعرافِ جعل الله بينهُ وبين إبليسَ سِتْراً وكانَ آدمُ شَفِيعاً لهُ يَوْمَ القيامةِ قَرِيباً منهُ " {[3]}


[1]:في النسختين تقدم. وندم تصحيح من الرازي. وانظر تصحيح ذلك وغيره في تفسير الإمام 28/117.
[2]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/605) وعزاه إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم.
[3]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/612، 613) عن ابن عباس وأبي عبد الرحمن السلمي والضحاك. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (/605) عن أبي عبد الرحمن السلمي وزاد نسبته إلى الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.