الآية 206 وقوله تعالى : { إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته } قالت المشبّهة : لو لم يكن بين الله وبين الملائكة قرب الذات لكانوا هم والبشر بقوله تعالى : { عند ربك } سواء ، ولكان لا معنى لتخصيص الملائكة بذلك .
ولكن التأويل عندنا في قوله تعالى : { عند ربك } في الطاعة والخضوع أو في الكرامة والمنزلة ليس على قرب الذات ، ولكن على ما وصف عز وجل ، [ بقوله ]{[9344]} { لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون } [ التحريم : 6 ] وقوله : { لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون } { يسبّحون الليل والنهار لا يفترون } [ الأنبياء : 19و20 ] وصفهم بالطاعة له والخضوع .
فعلى ذلك الأول ليس على قرب الذات ، ولكن على ما ذكر من الطاعة والخضوع . ألا ترى أنه قال : { واسجد واقترب } ؟ [ العلق : 19 ] ليس على أنه في الأرض يقترب منه إذا سجد .
وأصل ما يضاف إلى الله من جزئية الأشياء يخرّج مخرج تعظيم تلك الجزئيات كقوله تعالى : { وأن المساجد لله } [ الجن : 18 ] خص المساجد بالإضافة إليه ، وإن كانت البقاع كلها له تعظيما لها . وكذلك قوله تعالى : { الكعبة البيت الحرام } [ المائدة : 97 ] . بيت الله ، وإن كانت البيوت كلها له ، ونحو ذلك مما أضاف ذلك إلى نفسه من جزئيات الأشياء تعظيما لذلك وإجلالا .
فعلى ذلك الأول أضافهم إلى نفسه إما لطاعة لهم إياه والخضوع وإما لكرامة لهم والمنزلة .
وإضافة كلّية الأشياء إلى الله تخّرج مخرج تعظيم الرب : من ذلك قوله تعالى : { ألا له الخلق والأمر } [ الأعراف : 54 ] وقوله تعالى : { وهو على كل شيء قدير } [ الملك : 1 ] وقوله تعالى : { خالق كل شيء } [ الأنعام : 102 ] .
ومن الناس من استدل بتفضيل الملائكة على البشر بهذه الآية . لكن نقول : إن الأفضل عند الله الأطوع له والأخضع والأتقى والأقوم لأمره ونهيه على ما ذكر{[9345]} : { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } [ الحجرات : 13 ] لا نشير إلى أن هؤلاء أفضل من هؤلاء ، وقد ذكرنا الوجه في ما ذكرنا في ما تقدم .
وتأويل الآية ، والله أعلم ، في قوله تعالى : { إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته } الآية أي أنهم ، وإن لم يكن لهم حاجة إلى المأكل والمشرب وأنواع الحاجات { لا يستكبرون عن عبادته } وأنتم مع حاجتكم إلى الأكل والشرب وأنواع الحوائج أحرى وأولى ألا تستكبروا عن عبادته ؛ لأن من الناس من يعبد الملائكة ، فخُرّج هذا جواب ذلك ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { ويسبّحونه } التسبيح هو وصف الرب عز وجل ، بالرفعة والعظمة والجلال والتعالي عن الأشباه{[9346]} والأمثال وعما وصفه الملحدون . والتسبيح هو تنزيه الرب وتبرئته من جميع معاني الخلق .
وقوله تعالى : { وله يسجدون } وهو الخضوع في الغاية . وليس في الآية وجوب السجدة لمن{[9347]} تلاها ، أو سمعها إنما فيها الإخبار عن الساجدين أنهم يسجدون{[9348]} غير مستكبرين . وفي ذلك ترغيب في السجود . إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم ، روي أنه سجد ، وسجد من معه .
وعن ابن عباس رضي الله عنه [ أنه ]{[9349]} سجد في ص . وفي بعض الأخبار عن ابن عمر [ أنه ]{[9350]} قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن في غير صلاة ، فيسجد ، ونسجد معه .
وعن ابن مسعود رضي الله عنه ، [ أنه قال ]{[9351]} . كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قرأ سورة النجم ، فسجد فيها ، ولم يبق معه أحد إلا سجد إلا شيخ كبير من قريش ، أخذ كفّا من جصّ ، فرفع إلى جبهته . فلقد رأيته قتل كافرا .
وعن ابن عباس رضي الله عنه ، أنه ذكر سجود القرآن ، وعدّ ، فقال : الأعراف والرعد والنحل وبني إسرائيل ومريم والحج : سجدة واحدة . والفرقان وطس وألم تنزيل وص وحم ، وقال : وليس في المفصّل سجود .
وعن ابن مسعود [ أنه ]{[9352]}قال : في السورة يكون في آخرها السجدة نحو الأعراف والنجم إن شئت فاسجد ، ثم قم ، فاقرأ ، وإن شئت فاركع .
وعن ابن مسعود [ أنه ]{[9353]} كان يسجد في الأعراف وفي بني إسرائيل والنجم و{ إذا السماء انشقّت } و{ اقرأ باسم ربك } .
واحتجّ /195-أ/ بعض مشايخنا أن السجود على من تلا آية السجدة واجب ما أجمع أهل العلم أن على المصلي إذا تلا الآية ، فيها السجدة ، أن يسجد في صلاته . فلو كان السجود تطوّعا ما كان لأحد أن يزيد في صلاته ما ليس منها .
فدل ذلك على أن السجود واجب في الصلاة ، وإذا كان في الصلاة واجبا فهو على كل حال واجب .
ومن الحجة لنا أيضا ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قرأ آيات ، فسجد فيها ، فكان السجود بها واجبا كما أنه لما صلى صلاة العيد كانت واجبة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.