معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَيَحۡسَبُ ٱلۡإِنسَٰنُ أَن يُتۡرَكَ سُدًى} (36)

{ أيحسب الإنسان أن يترك سدى } هملاً لا يؤمر ولا ينهى ، وقال السدي : معناه المهمل وإبل سدى إذا كانت ترعى حيث شاءت بلا راع .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَيَحۡسَبُ ٱلۡإِنسَٰنُ أَن يُتۡرَكَ سُدًى} (36)

وفي النهاية يمس القلوب بحقيقة أخرى واقعية في حياتهم ، لها دلالتها على تدبير الله وتقديره لحياة الإنسان . ولها دلالتها كذلك على النشأة الآخرة التي ينكرونها أشد الإنكار . ولا مفر من مواجهتها ، ولا حيلة في دفع دلالتها :

( أيحسب الإنسان أن يترك سدى ? ألم يك نطفة من مني يمنى ? ثم كان علقة فخلق فسوى ? فجعل منه الزوجين : الذكر والأنثى ? أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ? ) . .

وهذا المقطع الأخير العميق الإيقاع ، يشتمل على لفتات عميقة إلى حقائق كبيرة . ما كان المخاطبون بهذا القرآن يخطرونها على بالهم في ذلك الزمان . وأولى هذه اللفتات تلك اللفتة إلى التقدير والتدبير في حياة الإنسان :

( أيحسب الإنسان أن يترك سدى ) . .

فلقد كانت الحياة في نظر القوم حركة لا علة لها ولا هدف ولا غاية . . أرحام تدفع وقبور تبلع . . وبين هاتين لهو ولعب ، وزينة وتفاخر ، ومتاع قريب من متاع الحيوان . . فأما أن يكون هناك ناموس ، وراءه هدف ، ووراء الهدف حكمة ؛ وأن يكون قدوم الإنسان إلى هذه الحياة وفق قدر يجري إلى غاية مقدرة ، وأن ينتهي إلى حساب وجزاء ، وأن تكون رحلته على هذه الأرض ابتلاء ينتهي إلى الحساب والجزاء . . أما هذا التصور الدقيق المتناسق ، والشعور بما وراءه من ألوهية قادرة مدبرة حكيمة ، تفعل كل شيء بقدر ، وتنهي كل شيء إلى نهاية . . أما هذا فكان أبعد شيء عن تصور الناس ومداركهم ، في ذلك الزمان .

والذي يميز الإنسان عن الحيوان ، هو شعوره باتصال الزمان والأحداث والغايات . وبوجود الهدف والغاية من وجوده الإنساني ، ومن الوجود كله من حوله . وارتقاؤه في سلم الإنسانية يتبع نمو شعوره هذا وسعته ، ودقة تصوره لوجود الناموس ، وارتباط الأحداث والأشياء بهذا الناموس . فلا يعيش عمره لحظة لحظة ، ولا حادثة حادثة ، بل يرتبط في تصوره الزمان والمكان والماضي والحاضر والمستقبل . ثم يرتبط هذا كله بالوجود الكبير ونواميسه . ثم يرتبط هذا كله بإرادة عليا خالقة مدبرة لا تخلق الناس عبثا ولا تتركهم سدى .

وهذا هو التصور الكبير الذي نقل القرآن الناس إليه منذ ذلك العهد البعيد ، نقلة هائلة بالقياس إلى التصورات السائدة إذ ذاك وما تزال هائلة بالقياس إلى سائر التصورات الكونية التي عرفتها الفلسفة قديما وحديثا .

وهذه اللمسة : ( أيحسب الإنسان أن يترك سدى ) . . هي إحدى لمسات القرآن التوجيهية للقلب البشري ، كي يتلفت ويستحضر الروابط والصلات ، والأهداف والغايات ، والعلل والأسباب ، التي تربط وجوده بالوجود كله ، وبالإرادة المدبرة للوجود كله .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَيَحۡسَبُ ٱلۡإِنسَٰنُ أَن يُتۡرَكَ سُدًى} (36)

وقوله : { أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى } قال السدي : يعني : لا يبعث .

وقال مجاهد ، والشافعي ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم : يعني لا يؤمر ولا ينهى .

والظاهر أن الآية تعم الحالين ، أي : ليس يترك في هذه الدنيا مهملا لا يؤمر ولا ينهى ، ولا يترك في قبره سدى لا يبعث ، بل هو مأمور منهي في الدنيا ، محشور إلى الله في الدار الآخرة . والمقصود هنا إثبات المعاد ، والرد على من أنكره من أهل الزيغ والجهل والعناد{[29573]} ؛

ولهذا قال مستدلا على الإعادة بالبداءة فقال . { أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى } ؟


[29573]:- (5) في أ: "والفساد".