تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{أَيَحۡسَبُ ٱلۡإِنسَٰنُ أَن يُتۡرَكَ سُدًى} (36)

الآية 36 : وقوله تعالى : { أيحسب الإنسان أن يترك سدى }[ فيه وجهان :

أحدهما : ]{[22838]} جائز أن يكون هذا الإنسان دهري المذهب ، فيكون قوله تعالى : { أيحسب الإنسان } على حقيقة الحسبان لأنه يحسب أن لا بعث ولا حساب ، وقد كان في أهل مكة من هو دهري المذهب ، وإن كان الخطاب في قوله : { أيحسب الإنسان أن يترك سدى } ليس على تحقيق الحسبان . ولكن معناه : أتفعل فعل من يؤذن عن أمر كان فعله موافقا لفعل من يحسب أن يترك سدى ؟ كما ذكرنا في قوله تعالى : { بل يريد الإنسان ليفجر أمامه }[ القيامة : 5 ] وهو لا يريد أن يكون فاجرا في الحقيقة ، ولكن يفعل فعل من يعقب فعله الفجور ، وهو كقوله : { وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا }[ ص : 27 ] وليس على حقيقة الظن . ولكن إذا لم يقل بالبعث ، ولم يؤمن به ، فقد وصف أن خلقهما إذن على باطل ، وذلك الفعل الذي ذكرنا يكون في ترك الإيمان بالبعث وفي جمود الرسالة ، لأن المحاسن لابد من أن يكون لها عواقب ، وكذلك المساوئ .

ثم تمرّ هذه الدار على المسيء والمحسن مرا واحدا ، فلا بد من أن يكون بعدها{[22839]} دار أخرى ، فيها تتبين مرتبة المحسن ومدار{[22840]} المسيء . فمن{[22841]} لم يؤمن بالبعث فهو لم يجعل للمحاسن والمساوئ عواقب ، وسوى بين مرتبة المسيء ومرتبة المحسن ، وذلك عبث .

والثاني : أن من عرف أنه لم يخلق عبثا ، ولا يترك/ 618 – أ/ سدى فلابد لمثله من أن يرغب ، ويرهب ، ويؤمر ، وينهى ، ولا يعرف ذلك إلا بالرسول ، والضرورة أحوجت إلى رسول يبين لهم ما يأتون وما يتقون وما يرغبون في مثله وعما يحذرون . فمن أنكر الرسالة فقد أهمل نفسه عن المرغوب والمرهوب وعن الأمر والنهي ، وذلك حال من خلق سدى .


[22838]:ساقطة من الأصل و م.
[22839]:ساقطة من م
[22840]:من م، في الأصل ومدار
[22841]:في الأصل و م: فما.