مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{أَيَحۡسَبُ ٱلۡإِنسَٰنُ أَن يُتۡرَكَ سُدًى} (36)

قوله تعالى : { أيحسب الإنسان أن يترك سدى } أي مهملا لا يؤمر ، ولا ينهى ، ولا يكلف في الدنيا ولا يحاسب بعمله في الآخرة ، والسدى في اللغة المهمل يقال : أسديت إبلي إسداء أهملتها .

واعلم أنه تعالى لما ذكر في أول السورة ، قوله : { أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه }أعاد في آخر السورة ذلك ، وذكر في صحة البعث والقيامة دليلين ( الأول ) : قوله : { أيحسب الإنسان أن يترك سدى } ونظيره قوله : { إن الساعة ءاتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى } وقوله : { أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار } وتقريره أن إعطاء القدرة والآلة والعقل بدون التكليف والأمر بالطاعة والنهي عن المفاسد يقتضي كونه تعالى راضيا بقبائح الأفعال ، وذلك لا يليق بحكمته ، فإذا لا بد من التكليف والتكليف لا يحسن ولا يليق بالكريم الرحيم إلا إذا كان هناك دار الثواب والبعث والقيامة .

الدليل الثاني : على صحة القول بالحشر الاستدلال بالخلقة الأولى على الإعادة ، وهو المراد من قوله تعالى : { ألم يك نطفة من مني يمنى } .