معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغۡنِيَ عَنۡهُمۡ أَمۡوَٰلُهُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُهُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيۡـٔٗاۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (116)

قوله تعالى : { إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا } . أي : لا تدفع أموالهم بالفدية ، ولا أولادهم بالنصرة ( من الله شيئاً ) من عذاب الله ، وخصمهما بالذكر لأن الإنسان يدفع عن نفسه تارة بفداء المال وتارة بالاستعانة بالأولاد .

قوله تعالى : { وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } . وإنما جعلهم من أصحابها لأنهم أهلها لا يخرجون منها ولا يفارقونها ، كصاحب الرجل لا يفارقه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغۡنِيَ عَنۡهُمۡ أَمۡوَٰلُهُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُهُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيۡـٔٗاۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (116)

93

هذا في جانب . . وفي الجانب الآخر ، الكافرون . الكافرون الذين لن تنفعهم أموالهم ولا أولادهم ؛ ولن تنفعهم نفقة ينفقونها في الدنيا ، ولن ينالهم شيء منها في الآخرة لأنها لم تتصل بخط الخير الثابت المستقيم . الخير المنبثق من الإيمان بالله ، على تصور واضح ، وهدف ثابت ، وطريق موصول . وإلا فالخير نزوة عارضة لا ثبات لها ، وجنوح يصرفه الهوى ، ولا يرجع إلى أصل واضح مدرك مفهوم ، ولا إلى منهج كامل شامل مستقيم . .

( إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا . وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) .

( مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر ، أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته . وما ظلمهم الله ، ولكن أنفسهم يظلمون ) . .

وهكذا ترتسم هذه الحقيقة في مشهد ينبض بالحركة ويفيض بالحياة على طريقة التعبير القرآني الجميل . .

إن أموالهم وأولادهم ليست بمانعتهم من الله ، ولا تصلح فدية لهم من العذاب ، ولا تنجيهم من النار . . وهم أصحاب النار وكل ما ينفقونه من أموالهم فهو ذاهب هالك ، حتى ولو أنفقوه فيما يظنونه خيرا . فلا خير إلا أن يكون موصولا بالإيمان ، ونابعا من الإيمان . ولكن القرآن لا يعبر هكذا كما نعبر . إنما يرسم مشهدا حيا نابضا بالحياة . . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغۡنِيَ عَنۡهُمۡ أَمۡوَٰلُهُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُهُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيۡـٔٗاۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (116)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ إِنّ الّذِينَ كَفَرُواْ لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مّنَ اللّهِ شَيْئاً وَأُوْلََئِكَ أَصْحَابُ النّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

وهذا وعيد من الله عزّ وجلّ للأمة الأخرى الفاسقة من أهل الكتاب ، الذين أخبر عنهم بأنهم فاسقون وأنهم قد باءوا بغضب منه ، ولمن كان من نظرائهم من أهل الكفر بالله ورسوله ، وما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عندالله . يقول تعالى ذكره : { إنّ الّذِينَ كَفَرُوا } يعني الذين جحدوا نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم ، وكذبوا به ، وبما جاءهم به من عند الله¹ { لَنْ تُغْنِى عَنْهُمْ أمْوَالُهُمْ وَلا أوْلادُهُمْ مِنَ اللّهِ شَيْئا } يعني : لن تدفع أمواله التي جمعها في الدنيا وأولاده الذين رباهم فيها شيئا من عقوبة الله يوم القيامة إن أخرها لهم إلى يوم القيامة ، ولا في الدنيا إن عجلها لهم فيها . وإنما خصّ أولاده وأمواله ، لأن أولاد الرجل أقرب أنسبائه إليه ، وهو على ماله أقرب منه على مال غيره ، وأمره فيه أجوز من أمره في مال غيره ، فإذا لم يغن عنه ولده لصلبه وماله الذي هو نافذ الأمر فيه ، فغير ذلك من أقربائه وسائر أنسبائه وأموالهم أبعد من أن تغني عنه من الله شيئا . ثم أخبر جلّ ثناؤه أنهم هم أهل النار الذين هم أهلها بقوله : { وأُولَئِكَ أصحَابُ النّارِ }¹ وإنما جعلهم أصحابها ، لأنهم أهلها الذين لا يخرجون منها ولا يفارقونها ، كصاحب الرجل الذي لا يفارقه وقرينه الذي لا يزايله . ثم وكد ذلك بإخباره عنهم أنهم فيها خالدون ، صحبتهم إياها صحبة لا انقطاع لها ، إذْ كان من الأشياء ما يفارق صاحبه في بعض الأحوال ويزايله في بعض الأوقات ، وليس كذلك صحبة الذين كفروا النار التي أصلوها ، ولكنها صحبة دائمة لا نهاية لها ولا انقطاع ، نعوذ بالله منها ومما قرّب منها من قول وعمل .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغۡنِيَ عَنۡهُمۡ أَمۡوَٰلُهُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُهُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيۡـٔٗاۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (116)

استئناف ابتدائي للانتقال إلى ذكر وعيد المشركين بمناسبة ذكر وعد الذين آمنوا من أهل الكتاب .

وإنَّما عطف الأولاد هنا لأن الغَناء في متعارف النَّاس يكون بالمال والولد ، فالمال يدفع به المرءُ عن نفسه في فداء أو نحوه ، والولد يدافعون عن أبيهم بالنصر ، وقد تقدّم القول في مثله في طالعة هذه السورة .

وكرّر حرف النَّفي مع المعطوف في قوله { ولا أولادهم } لتأكيد عدم غناء أولادهم عنهم لدفع توّهم ما هو متعارف من أن الأولاد لا يقعدون عن الذبّ عن آبائهم .

ويتعلق { من الله } بفعل { لن تغني } على معنى ( من ) الابتدائية أي غناء يصدر من جانب الله بالعفو عن كفرهم .

وانتصب ( شيئاً ) على المفعول المطلق لفعل { لن تغني } أي شيئاً من غٍناء . وتنكير شيئاً للتقليل .

وجملة { وأولئك أصحاب النار } عطف على جملة { لن تغني عنه أموالهم ولا أولادهم } . وجيء بالجملة معطوفة ، على خلاف الغالب في أمثالها أن يكون بدون عطف ، لقصد أن تكون الجملة منصبّاً عليها التَّأكيد بحرف ( إنّ ) فيكمل لها من أدلَّة تحقيق مضمونها خمسة أدلة هي : التَّكيد ب { إن } ، وموقع اسم الإشارة ، والإخبار عنهم بأنَّهم أصحاب النَّار ، وضمير الفصل ، ووصف خالدون .